الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

تعبير بلا حرية.. ديمقراطية بلا دمقرووط


في وقت يتزايد فيه التواصل العالمي، ويتكون اكثر واكثر ما يعتبر المجتمع الدولي، وتتراجع فيه القطرية والحدود الفاصلة بين الشعوب والدول، ويصبح العالم قرية صغيرة، نميل نحن العرب والفلسطينيين اكثر الى الانغلاق، وزياده الحدود وزياده التجزئه بين الدول وفي الدولة الواحدة.
فاليمن يمين شمال وشرق وغرب ، والسودان دارفور وجنوب وخرطوم وام درمان، ومصر اقرب لان تكون مسلمين واقباط عرب وفراعنة، ودول الحليج عرب وعرب وافدين، وفلسطين فيها( اسرائيل) وكنتونات في الضفة ومستوطنات وامارة غزة وجدار جديد من فولاذ وحديد، والمغرب عرب وبرابرة.
اضافة لتقسيمات غني وفقير في كل ارجاء الوطن العربي، اغنياء ومعظم اموالهم خارج حدود دولهم تمتصها اسواق العالم الاكثر تطورا، اغنياء لانفسهم وليس لدولهم او شعوبهم، ازدواجية وانفصام في الوعي والاقتصاد رأسماليين في ثرواتهم عشائريين في ممارستهم.
في مرحلة العولمة لدى العالم وشعوبه كافه سبل وطرق التقدم والاتساع، ولدينا نكوص وارتداد فنتراجع حيث يتقدم الاخرون، وننحصر حيث يتوسعون ونتبنى شعارات الليبرالية والديمقراطية وحقوق الانسان ونتحدث باسم البناء والتقدم وحرية التجارة البينية والتجارة العالمية والتطور الرأسمالي الخ من مقضيات مجاراة العصر في قشوره فقط.
فرضت التطورات العالمية من انهيار النظام الاشتراكي وتراجع حركات التحرر الوطني، والنكوص وعدم القدرة على انجاز مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية وتشكل القطب الواحد رواجا هائلا لمفهوم الديمقراطية، واعتبار العالم الحر سيد الكون ومنقذه، واستخدمت تعابير مثل العدالة والمساواة وحقوق الانسان وحرية التعبير استخداما ذو وجهين وجه اخلاقي وانساني صحيح يتناسب مع مرحلة التطور التي وصل اليها المجتمع الدولي، واستخدام ذو طبيعة استعمارية يقسم العالم الى قسمين حر وارهاب، ومن كان يتبع امريكا وحلفائها الغربين يكون من العالم الحر ومن يناصبها العداء يكون مستبدا او متخلفا او في قوائم الارهاب.
وما نريد التركيز عليه في مسألة الديمقراطية وحقوق الانسان وسط هذا الخليط من دور الدول والشعوب والمنظمات الحقوقية والإنسانية هو انه ومع زيادة ثورة المعلوماتية، وسهولة تبادلها بين اطراف العالم وانتشار ثقافة عالمية لا تفصلها الحدود الجغرافية ولا الحدود السياسية ولا تشكل الحدود الثقافية في وجهها ساترا يمنعها من النفاذ، فالعالم قرية صغيرة وعملية التفاعل في بنية الوعي لكل شعب من الشعوب لم تعد انعكاسا محليا لدرجة تطور بنيته التحتية ولا مسقوفة في حدود نظامه الاقتصادي المغلق، وارثه التاريخي الخاص بل اصبحت عناصر البنية الفكرية والثقافية بنية في قدر من التشابك والاختلاط الا انها تعكس ثقافة وسلوك القوى الاكثر تقدما من الناحية الاقتصادية.
ولا نريد ان نعتبر جزافا وبتسرع ان كل ما ياتي به الاستعمار مرفوض، فالتقنية وتطوير وسائل الانتاج وعلاقات الانتاج وادواتها وما تتطلبها من تطوير في وسائل فهم ادارتها وانشاء المهنين لذلك واثر ذلك في تطوير التعليم والاحتكاك بالثقافات الاخرى امرا لا يجب ان يتم اغفاله، دون نسيان ما للقوى الاستعمارية من منافع ومصالح اقتصادية سواء في سيطرتها العسكرية او النقدية او البضائعية عبر التجارة العالمية.
ولا ننسى ايضا انه في مرحلة العولمة او في الراسمالية على العموم لا تمثل الثقافه في تلك المجتمعات فقط ثقافة ومفاهيم الطبقات الحاكمة، وانما تمثل ايضا منجز انساني لكامل تلك المجتمعات بكل طبقاتها، وان كانت الطبقات الحاكمة تجير المنجزات الانسانية على مستوى الفكر والعلم والحياه اليومية اكثر لمصلحتها وتحولها لادوات سياسية عبر الاعلام والاقتصاد والمعلوماتية والخ.
الا ان التقدم العلمي وتطور الاقتصاد والاهتمام بمسائل البيئة وحقوق المرأة وحقوق الانسان هي ثقافة انسانية عامة وليست حكرا على طبقة معينة، ووجود قضايا تحتاج لمواجهة عالمية وتعاون عالمي مثل الازمات الاقتصادية، والاختلال البيئي والاوبئة والامراض زاد من فكرة الوعي والثقافة العالمية عابرة القارات، والجهود المشتركة في الدفاع عن هذا النوع من القضايا ونحن جزء منه سواء في التأثير عليه او التأثر به.
وكوننا جزء من العالم في قضايا مواجهة الاوبئة والاختلال البيئي، ونعتبر نسير في اعقاب تلك الدول في مواجهة مثل هذه القضايا فاننا لسنا كذلك في مواجهة مسائل التحرر الوطني والديمقراطية والبناء الاقتصادي، ولا يجوز ان نقبل ان يكون المجنمع الدولي والرأي العام العالمي مكانا لعلاج قضية التحرر والبناء الوطني او الاستقلال، او الاتحاد العربي من وحدة نقدية اوالغاء جمركي او تجارة عالميه او ازالة حدود وحرية التنقل واحترام حقوق الانسان وتطوير الديمقراطية، ففي هذه المسائل لا يجب ان نكون صدى للآخرين ونفقد هويتنا الخاصة، انما علينا ان ندعم ما هو تعبير وتكثيف لما وصلت اليه الانسانية، والاستفادة منه في خدمة قضايانا التحررية بهدف اللحاق بركب التقدم والرفاهية وصيانة الانسان واعتباره قيمة سامية يجب احترامها والحفاظ عليها، وان نأخد من القرية العالمية ونحن انداد فيها لا ان نكتفي بان نكون في عالم يسود فيه فقراء واغنياء، سادة وعبيد شمال وجنوب.
ولنوضح الصورة اكثر ننتقل بالحديث الموجز عن فكرة الديمقراطية ونشؤها ونتبعها بفقرة هل نحن كعرب او فلسطيننين قادرين على ان نكون ديمقراطيين وما هي حاجتنا للديمقراطية.
لم تكن الديمقراطية والعلمانية في اوروبا اختيارا فرديا او قرارا لمجموعة من بين اختيارات، بل كانت اختبارا للتاريخ في احدى محطاته نتيجة تطوره الاقتصادي وولادة اقتصاد السوق بعد تحطيم النظم الاقطاعية بقوة الثورة السياسية الاجتماعية والثورة الاقتصادية الصناعية، وما نشأ عنها من فكر لدى النخب سمي بعصر النهضة في مواجهة فكر مرحلة الانحطاط، وحمل افكارا تدافع عن القوى الثورية الوليدة، والدفاع عنها في مجال القيم والفكر وبنية المجتمع السياسي والمؤسساتي بحيث كانت تطابق بين حركه البنية التحتية وانعكاسها الفوقي، مع احتفاظ كل بلد من البلدان التي تمت فيها الثورة الصناعية بميزاته الخاصة على صعيد تفاصيل بنيته التحتية او بنائه الفوقي، والتلخيص المفيد هنا ان انتصار وسيادة مرحلة ما بعد الاقطاع ونشوء العلمانية وفصل الدين عن الدولة وبناء البرلمانات، وفصل السلطات وسيادة القانون ونزاهة واستقلال القضاء وبناء الدول القومية اعقبها تجاوز المرحلة الوطنية وايجاد الاقتصاد الرأسمالي على المستوى العالمي وتكوين الكوزموبولوتية، ولم يعد الاقتصاد الرأسمالي سائدا فحسب بل انتقلت فكرة الثورة وفكرة العلمانية الى بقاع العالم الاخرى، واصبحث جزء من افكاره ومن بنية وعيه الخاصة في كل من المجتمعات الاخرى، ومن المهم الاشارة الى وجود تكوينات اجتماعية اخرى واقتصادية بالاضافة للراسمالية، ومنها كان لاحقا الاشتراكية وكان موجودا اصلا في البنية الآسيوية وبعض البني ذات الاقتصاد المختلط.
وما يعنينا هنا في هذا الموضوع هو ان الفكر الديمقراطي التحرري في طبيعة نشوئه يأتي نتاج اساس في بنية المجتمع وتكون الديمقراطية وادواتها مظهرها سياجا لحماية هذا النظام وتعبيرا عنه، اما اشكالية الدول غير المستقلة والمحتلة فان الديمقراطية بالنسبة لها لا تعكس الا كونها جزء من المجتمع العالمي وانعكاس للثقافة والفكر العالمي التي هي في ذيله، وليس تعبيرا مكثفا عما وصلت اليه من تقدم يحتاج لهذه الادوات الديمقراطية، وما ينطبق على الدول المحتلة كفلسطين ينطبق على الدول التي ما زالت خاضعة للتبعية الاقتصادية بحكم التفوق في عملية التراكم الرأسمالي على الصعيد العالمي، مما يجعلها في ذيل الاقتصاد العالمي وتدور في حلقته تقوم بدور المستهلك وتطور قطاع الخدمات ليتناسب مع ضرورات استيعاب المنتجات المتقدمة لدور المركز واستيعاب ادوات المعلوماتية من اتصال وانترنت الخ.
خاصة وان هذه الدول بعد حصولها على الاستقلال السياسي لم تستطع انجاز مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية، واهم عناصرها الاستقلال الاقتصادي وبناء ووحده الامة وتعبيرها السياسي البرلماني وما يتبعها من قوانين تفصل بين الدين والدوله وما بين السلطات الثلاث التنفيذية والقضايئة والتشريعية.
ان عملية الاندفاعة التي جاءت بفعل مكافحة الاستعمار وولادة ما يعتبر فكر ثوري فيه نصيب للحرية، خاصة انه ملهم بشعارات الحرية والتضحية ونيل الاستقلال، اوجدت قدرا حقيقيا من الديمقراطية الثورية التي سرعان ما انتكست وارتدت وعادت الى المستنقع السياسي للرجعية او القبلية او العشائرية او الملكية او حكم الفرد، وهذا حال الانظمة العربية لكونها امتدادا لحركة السوق العالمية، ولانها تأتي في ذيل هذا السوق ولم تعمل على بناء اقتصادها الخاص ولا على بناء اتحاد عربي يزيد من قوتها الاقتصادية، ويساعدها على تجاوز وكسر حلقة التخلف كما حصل في العديد من الدول مثل سنغافورة والهند وماليزيا التي تحولت الى دول مستقلة اقتصاديا، وما اخذناه من مفهوم الديمقراطية هو ما يتلاءم مع حاجات الحاكمين في دول الغرب وامريكيا، ولم نأخذ ماهو انساني من درجة تقدمهم كمجتمع من ناحية احترام الفرد وحقوق المواطن وعدم قمع الحريات والحق في التجمع والتظاهر وتشكيل الاحزاب والتجمعات ومساواة المرأة وفصل السلطات، بل حولنا الجمهوريات الى ملكيات وزدنا من السجون ومنعنا كل ما هو تقدمي واخذنا كل ما هو استهلاكي، ووصفت الرجعيات الفكر العلماني او الديمقراطية بالافكار المستوردة، ولجأوا الى الاسلام والسلفية كملجأ لهم الا ان السلفية الجهادية ايضا انقلبت عليهم.
وفي الوقت الذي يزاد العالم اتساع وتقصر المسافات داخل المكان ويتحرك الزمان بسرعة قياسية نحو الامام ويتشكل تاريخ في مجال العلوم لم يسبق له مثيل يزداد العرب قطرية وقبلية، وبعضهم ربما يطلب من كثرة امواله صناعة آلة للسفر عبر الزمن من وكاله ناسا للفضاء لكي يسافر للماضي ويشارك في وقعه بدر او احد او الفتوحات الاسلامية، فهذا الغرب وحضارته ليس اكثر من كافر ومصيره جهنم، صحيح انه يكسب المستقبل وكثير من العرب والفلسطينيين يريدون كسب الماضي والجنة معا، وهم وبلا شك سائرون عكس اتجاه التاريخ ويعطلون مساره وسط تكاسل وخمول من القوى التي يعول عليها في حمل لواء الدعوة للحريات وحقوق المواطن وبناء مجتمع حر يليق بكرامة المواطن، ويصبح الوطن مكان يجدر بنا العيش فيه لا الاكتفاء بالنظر، واحيانا القبول بفتات من الحاكمين او ممن يقدم مساعدات من الدول الغربية دون النظر الى ان لها مصالح في ترويج ثقافتها ليس من اجل الدفاع عن الانسان وحقوقه وانما في ابقاء حالة العرب والدول النامية كما هي.
فالديمقراطية وحقوق الانسان في ظل عدم وجود احزاب تنتزع ديمقراطيتها وحريتها وتصونها وتراعي الحالة المحلية فان الدول الغربية لها مصلحة ان تكيل بمكيالين، فهذه الدول تحمي وتدافع عن اسرائيل في ذات الوقت الذي تمارس فيه اسرائيل احتلالا وارهاب دولة على الفلسطينيين والعرب، ولا تحترم حقوق المواطن ولا اتفاقيات جنيف الخ، كما وان الدول الغربية تدعم علنا ورسميا الدول الاشد خرقا لحقوق الانسان وابتعادا عن الديمقراطية ما دامت حليفة لها على المستوى السياسي، وعلينا هنا التميز ما بين دور الاعلام الغربي في الدفاع عن النخب السياسية، ومصالحها في الابقاء على الدول النامية في اسفل سلم التطور وما بين ثقافة هذه المجتمعات كمرحلة في سلم التقدم الانساني خاصة وان العالم بات مفتوحا اكثر من اي وقت مضى.
ولكي لا نتوه ما بين الفكر المستورد والاصيل، وكي لا يبدو انا مع وضد الديمقراطية في آن معا نقول ان الديمقراطية وحري التعبير وحقوق المواطن والعدل والمساواة والتقدم وفصل السلطات ونزاهة القضاء هي حالة لم تعد تخص مجتمعا بعينه، وانما هي درجة في سلم التقدم الاجتماعي ولم تعد فكرا يخص مجتمعا دون غيره بل ثقافة إنسانية على العموم، وعلى هذا الاساس هي خيارنا مع الأخذ بعين الاعتبار انه لا ديمقراطية بدون وجود اساس لها في بنية المجتمع وتعبيراته السياسية والمؤسساتية من احزاب، ومؤسسات مجتمع مدني من اتحادات مهنية ونقابية واتحادت نسويه وطلابية وصحفية وإعلامية وبالاساس بنية اقتصادية تأتي كل هذه كانعكاس وتعبير مكثف عنها، فلا يوجد سقف بلا جدران ولا يجوز ان تكون الجدران ان وجدت مبنية بأيدي القوى الغربية المتنفذة تستطيع ازالتها وقتما تشاء ويقع السقف على رؤوسنا.
كي يكون لنا ديمقراطية علينا ان نكون احرارا، واذا كانت الديمقراطية مرحلة من مراحل الحرية فلن يعطي فاقد الشيء ما لا يملكه، ولن نحصل على ديمقراطية من سلطة او سلطات هي بالاساس غير ديمقراطية، واية سلطة مرتبطة بمعونات خارجية او دول مانحة لا يمكن ان تكون ديمقراطية، وان كانت ديمقراطية في بعض جوانبها او بعض مظاهرها فانها تكون حرة وديمقراطية في حدود الهامش الذي يقرره الآخرين، فكيف يكون لدينا ديمقراطية وما زلنا محتلين وكيف تكون دولا عربيا ديمقراطية وفيها نزاعات مسلحة، وكيف تكون الانظمة الأخرى ديمقراطية وهي ملتصقة بالحكم بلصقة من الدول الغربية التي تحميها، اضافة لذلك كيف تكون الشعوب ديمقراطية وهي ليست حرة وبعضها فاقد مؤقتا الإحساس بضرورة المطالبة بالحرية، هذا بالاضافة لمنظمات المجتمع المدني التي لها ولاءات سياسية، والاحزاب التي لا تمارس الانتخاب وتخلوا من الحياة الديمقراطية الداخلية، انى لها ان تبني مجتمعات ديمقراطية او ان تحوز على مكنسة تاريخية تكنس بها القيادات البائدة، والتي تقف عقبه امام التقدم والحرية وتعيدنا الى القبلية.
وفي هذا الشأن علينا كفلسطين وعرب، على النخب والطلائع والمتعلمين والأكاديميين ان يشكلوا وعيا جمعيا ليشكل لاحقا ثقافة مجتمع بأكمله، يكون امتدادا وجزءا من المجتمع الدولي في فهمه للحرية وحقوق الانسان والعلمانية كثقافة إنسانية عامة، وان يعمل من اجل ذلك اشاعة الديمقراطية في كل سلوك وكل خلية مجتمعية ابتداءا من الاحزاب وانتهاءا بالعائلة مرورا بالمناهج والجامعات، وان يشكل الكثير من المنتديات وان يعمل المثقفون والاحزاب بروح المثال العملي وان يتجاوزا الحزبية والقطرية ما دامت المسألة تخص قضايا انسانية عامه تخص الكرامة والتقدم والانسان، وحتى لا تكون فكرتنا فكرة هلامية تحلق في فضاء بلا ارض ايضا علينا العمل والنضال من اجل صياغة الارضية لايجاد حياة ديمقراطية مستديمة وثابتة وراسخة، عبر تشكل اساس اقتصادي يعمل على استدعاء الديمقراطية بثبات لمصلحة تطور هذه البنية الاقتصادية، ولا يتم الامر بالرغبات وانما من خلال بعض الاجراءات التي تخدم ايضا معارضي الديمقراطية وحقوق الانسان من حيث التوجه الفكري، ومن ضمن هذه الاجراءات زياده التراكم الرأسمالي في البلدان العربية، وتركيز الثروات والمشاريع في استثمارات ضخمة مترافقا ذلك مع وحدة على الصعيد النقدي بايجاد عملة موحدة وازالة التعرفة الجمركية، وتشكيل منتدى اقتصادي عربي يقدم الاقتراحات والدراسات من اجل كشف منافع الاستثمار بكذا من المجالات ووحدة السوق العربية، وايجاد انماط لا نريد اسقاطها في المقال من انماط الوحدة السياسية سوف يكون مقدمه لتطوير الحاجة والحاجة المتبادلة وزياده التجارة البينية المعفاة من الضرائب والظهور موحدين في مواجهة التجارة العالمية،
من البديهي ان ينتبه العض ويقول ان الادوات السياسية القائمة والحكام لن يكون لهم مصلحة في اقامة سوق عربية موحدة وهذا صحيح، والتغلب على هذا الضعف يتم بوسيلتين الاولى الاجراءات البطيئة السلمية طويلة الامد، والاجراءات الشعبية التي تفرض نفسها على الحكام الذي لم يعد لوجودهم مبررات خاصة وان كل ما حولنا يتقدم وكأننا نسير مع باقي العالم في قطارين متعاكسين، وصمت الاحزاب والقوى الشعبية ليس قدرا لا يرد ولا جبرا مطلق ولكل شيء اوانه وان الاوان قد ان لان تغير الاحزاب السياسة من طرائق عملها وان تكون حرة ومستقلة، وغير تابعة لا لدول مجاورة ولا لدول مانحة ولا قوى مطبعة، ليكون بامكانها تسليح الشعب وزيادة وعيه لينتقل من مرحلة ان يكون قوى بذاته لان يكون قوة لذاته، ويعمل على نقل القطار المتجه الى الخلف ووضعه على السكة الصحيحة، ويضع في العربة الاولى قيادات تعرف ان تقود وتعرف اين هو الطريق الى المستقبل، وهذه دعوه في النهاية لان يكون كل فرد ما حر بذاته ديمقراطي في سلوكه وقناعاته وممارساته ولن نستطيع ان نبني مجتمعا حرا ما دما غير احرار، قد تبدو هذه الفكره فيها بعض الطوباوية والتمنى، ولكن رسم خطاها وتفاصيلها وتحويلها الى واقع بالتأكيد يحتاج مشاركة الجميع فيها ورسمها، فمهمة كهذه اكبر من مهمه لمقال، وربما يرى فيها بعض المثقفين وخصوصا فصائل العمل الوطني الفلسطيني وكأنها اغفال للجانب السياسي والابتعاد عن جوهر الصراع والانتباه لقضايا مطلبية، وكان تحرير فلسطين يتناقض مع سيادة القانون واحترام حقوقه، ونحن لا نريد باسم الشعار السياسي الكبير ان نتغاضى عن الشعارات الحياتية وفي ذات الوقت لا نريد لمهمات العمل الديمقراطي اليومية والمتراكمة والمتواصلة ان تكون بديلا عن تحرير فلسطين، وحديثنا الان عن الديمقراطية هو تذكير بان كثير من الدول التي كان بها حركات تحرر وطني ونالت استقلالها انقلبت بعد التحررعلى مفاهيمها بالذات لانها لم تكن تقدمية بالاساس، ولم تكن ديمقراطية انما كانت تعبيرا عن اندفاعات شعبية احسنت الاستفادة منها دون ترسيخ وتأصيل جوانب الحياة الديمقراطية لا في بنيتها كأحزاب ولا في بنيتها كمجتمعات واستخدمت الاستراتيجي والسياسي في عمليه تضليل إعلامي ديماغوجي واسعة النطاق، ادى لاحباط قوى الشعب عندما ادرك المواطنون ان زعاماتهم يقودونهم الى الخلف ويهتفوا جميعا وبأصوات مختلفة ذاهبين الى القدس !!!!!!

الأحد، 20 ديسمبر 2009

حماس بلا لباس


ليس من اساليب الرجال الشرفاء او الحركات الشريفة على العموم ان ندفع فرد او مجموعة للخطأ بهدف ان نخطئهم لاحقا، كما ان لكل فرد او حركة بالضرورة صفاته الخاصة التي تميزه عن غيره، لا ان يستمد كيانه الخاص من خلال عكس صفات الاخرين ورفضها ، اي ان يكون( خلف اخلاف بيلزموا كما المجانين قميص اكتاف). وحركه حماس هي حركه غير وطنية من الاساس وترفض الوطنية والقومية وتطرح شعار فقط تحيا حماس، ولسنا ضد ان يكون لحماس ما يبررها وما يكون سببا لوجودها دون التباس، فهي تنتقد العهر السياسي للاخرين وتظهر علينا بدون لباس، وانا كمواطن احب ان ارى حماس في ذاتها وليس فقط في اعتراضها على الآخرين، ولكنها ليست شيئا بذاته وليست بديلا عن غيرها ايضا، انما قوتها تنبع من ضعف الآخرين ، وان ادعت الصلابة السياسية فذلك لانه يوجد بعض المفرطين.
كمواطن ابحث عن شيء خاص يبرر وجود حماس، فالدين كان وسيبقى قبل وبعد حماس، ولم يكن يوما احتكارا سياسيا لاي طرف، فالدين لله والوطن للجميع وما نراه اليوم رفض الوطنية من قبل حماس ومعاملة الرب كأنه شيء ينبع من قيم حماس الخاصة، وتجوع غزه كلها لتبقى حماس ،يعرى المواطنين وتلبس حماس، يحاصر الشعب وتتحرر حماس، اية كرامة بقيت لدى الناس وكل شيء فيهم يداس، لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب، تحتج وتشجب، تعترض وتندب، تولول وتهلل هللويا عاشت حماس، لا نريد وطنية ولا حكومة عباس، لا نريد توقيع مصالحة من الاساس، نريد حماس امارة مغلقة حتى لو مات من فيها من الناس هللويا تموت غزة وتحيا حماس،اعوذ بالله من شر الوسواس الخناس.
يطل علينا ابو زهري في مؤتمر صحفي فيه كثير من الميكروفونات تكاد تحجب وجهه، ولا يظهر من باقي الصورة سوى بعض الخرافات، لا في زمن نفتقد فيه سعد صايل ومعارك بيروت وسوق الغرب، وننسى فيه قلعه الشقيف وباقي القلاع، وكأن الرجال الرجال انتزعوا من طيات التاريخ، واستحضرنا بدلا منهم اصوات بلا صدى وصور بلا اطار وكلمات بلا حروف، وتجويف بلا فراغ، وتخمة دون شبع، ضجيج بلا طحين، اللهم لا اطلب رد القضاء وانما اللطف فيه.
ينتقد في المؤتمر الصحفي ضعف وتهاون فتح والسلطة والتنسيق الامني، والجميع يرفض التنسيق الامني ويعلم ويفهم ان التنسيق الامنى ليس مطلبا وطنيا، لكن ليس الجميع يستغل وجوده لتعزيز مكانته الخاصة، والجميع يعرف ان الضفة محتلة وان كل شاردة وواردة باذن اسرائيل وتحت عيونها وطوع بنانها، ولكن ليست وطنية من احد ولا قوة لأحد بان يبرز ضعف الآخرين.
احمد بحر يتحدث عن مجلس مركزي متهالك وأداة قديمة وما عاد يصلح، بل من وجهة نظره يجب ان يوضع في الركام كما البيوت المهدمة في غزة بعد العدوان الاخير، والتي بقيت دون ازالة لتبقى شاهدا على العدوان والتدمير، المجلس المركزي فاقد للشرعية وفاقد للحيوية، والشرعية الوحيدة لاحمد بحر، وايضا لمشعل الذي لا يريد م.ت.ف . ضعيفة، انما يريد منظمه تحرير يكون هو على رأسها.
لسنا نعرف هل بدأ النضال الوطني فقط مع حماس ام ان تاريخ فلسطين بلا نضال الى ان جاءت حماس، نوافق على كثير مما تقوله حماس لا بنية سوء ولا لحق يراد به باطل ولا لاظهار قوتنا بعيوب الآخرين، نوافق على ان التاريح وان النضال عمليه متواصلة باستمرار ولا نوافق على ان نختار من التاريخ ما نشاء وان نستخدم الاعلام فقط للاعتراض.
سحب تقرير جولدستون كان خطأ وخطيئة ولكن وجود خطأ في سحب التقرير، _صحيح ان شارلوك هولمز كشف ابو مازن متلبس بسحب التقرير، وان صائب عريقات اعترف بذلك دون تحقيق_، الا ان حماس اعترضت على سحب التقرير واعترضت على تشكيل لجنه للتحقيق،،،، ولو سألنا حماس ومن يتحدث باسمها ماذا تريدون لاجابوا بصوت واحد ولسان حالهم يقول نريد ان نهاجم الاخرين لنبقى وحدنا في ذهن الجمهور الفلسطيني على صواب.
ولو أن الفصائل وفتح طالبت بالمقاومة لاعترضت حماس ولو توقفت الفصائل عن المقاومه لاعترضت حماس، لا تريد من الاخرين ان يقاوموا، ولا تريد منهم ان يتفاوضوا بل تريد ان تقاوم وحدها وتفاوض وحدها، وتريد ان تمنع الاخرين من المقاومة ان لم تكن هذه المقاومة تناسب رؤيتها للمرحلة، وان وجد فصائل اخرى ترى ضرورة ابراز اشكال نضالية في مرحله معينه غير المقاومة، لاتهمتها حماس بالخيانة وزادت من نشاطها العنيف.
ان التأصل في ذهن الشعب لا يتم بالخداع ولا يتم بالتلاعب بعواطفه وتجيير احلامه لخدمة اغراض فئوية، فلا يبقى في الوادي غير الحجارة، واما الزبد فيذهب جفاء، ولا يبقى غير الاصل والاصل هو الوطن والشعب، وبحماس وبلا حماس ستبقى جذوة القضية الوطنية مشتعلة في جوف الشعب القادر على قذف كل من هو غير اصيل بتوجهاته وممارساته ، ويبقى الدين النقى والوطن فلسطين والشعب الفلسطيني، اما الحماس العابر فمصيره الى زوال، وغيرها من الامثلة العديدة وكأن حماس ليس لها شاغل غير الانتقاد واظهار عيوب الاخرين بدل ان تمد يدها اليهم وان تعلم ان صلاح الحال من المحال بدون وحده وطنيه، لا ان تدفع حماس السلطة والفصائل لان تبتعد عنها ، وكل ذلك لان لديها لسان ربما يكون لسانا غير فلسطيني يتحرك في افواه الناطقين باسمها، تتحدث حماس واقطابها عن عدم الشرعية لانقضاء المدة ومع ذلك تحتفظ هي بشرعيتها.
حماس تدعو الفصائل لنقاش مبادرة للوحدة علما ان الحوار الفلسطيني قد وصل ختامه وبقي توقيع حماس عليه، ام ان لحماس الوان خاصة بها وما لا يكون على لونها لا تقبل به، ان المنشور الزجاجي الذي تمر منه الون قوس قزح الحمساوي صناعة غير محلية ولهذا تكون الوان الطيف على طريقتها.
اعتقد لو أن الجميع اعلن انه حماس لما قبلت حماس فهي تقبل نفسها فقط ولا تقبل المشاركة ولا التنوع، تريد وقفا لاطلاق النار يتلاءم معها وتريد تصعيدا يتوافق مع مصلحتها وتريد صلاة فقط في جوامعها ، وخطابا دينيا يعزز وجودها وتصرف سياسي يخدم قادتها وحلفائها ، وتريد مؤسسات على صورتها، ونضال على مقاسها وهدنه على كيفها، ومصلين يهتفوا باسمها، وآلام للشعب تكون موافقه عليها، حتى الزيت والزعتر يجب ان يكون ماركة(هنية) حسبي الله وانت نعم الوكيل.
وحماس تلبس الحقائق وجها وهميا وتستخدم الدين ستارا لذلك لكن الله لا يغفل وسوف يكشف الله سترهم ويظهرهم بلا لباس وتصبح الحقيقة جلية دون شك او التباس ، ولا مناص لهم الا ان يعودوا الى الوطن والشعب والله.

الخميس، 17 ديسمبر 2009

الجبهة الشعبية اصالة تحتاج الى تجديد لفراغ يبحث عن امتلاء

الكاتب:اسماعيل رمضان

احتفلت الجبهة الشعبية بانطلاقتها الثانية والأربعين في وضع الساحة الفلسطينية ابعد ما تكون فيه عن الاحتفال، فالتمزق والشرذمة والانقسام واستمرار قضم الاراضي وتعثر المفاوضات كلها امور من السوء الذي يستوجب وقفة جادة لرؤية اين اصبحت القوى اليسارية من دوافع انطلاقها بالاساس، وهل ما زالت اسباب النشوء قائمة وهل ما زالت قوى اليسار تمثل حقا وفعلا استجابة حقيقية لمتطلبات التحرر الوطني والاجتماعي.

ان الجبهة الشعبية منذ انطلاقتها في عام 67 مثلت دورا طليعيا في الكفاح والتأثير، سواء على المستوى الفكري او السياسي او الميداني، وكانت جزءا مهما في ابراز القضية الفلسطينية كقضية وطنية وتحملت مسؤولياتها، اضافة لكونها جاءت كاستجابة لحاجات القوى الشعبية في التغيير، وليس خافيا على احد دور الجبهة في النضال الوطني الفلسطيني، ولسنا بصدد ذكر اهميه دورها وحجم مشاركتها بقدر ما نريد ان نؤكد على ان الجبهة والاسباب التي جاءت استجابه لها من احتلال وظلم اجتماعي ما زالت قائمه وحاجة النضال الوطني والتحرري الفلسطيني يحتاج الجبهة الشعبية وقوى اليسار الآن اكثر من اي وقت مضى

ان القوى الحية كالمجتمعات والمنظمات والاحزاب السياسة تتغير على الدوام وجسم الجبهة الشعبية كأداة نضالية ضد المحتلين تحتاج رغم اصالتها الى تجديد بعد مرور اكثر من اربعين عام على نشأتها، هذه الحاجة لا تستدعيها رغبه ذاتية انما هي استجابة لظروف ومتغيرات الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ودخوله محطات ومراحل تجاوزت تفصيليات بعض المفاهيم البرنامجية والفكرية والتنظيمية، ولكي نفهم بنيه الواقع علينا النظر اليه من خلال كونه مجموعة من المحطات المترابطة في وحدة كلية تحتفظ فيها كل مرحلة بسماتها الخاصة والمنفردة التي تميزها عن غيرها من المحطات، ووضوح الرؤية السياسية والفكرية لدى ادوات العمل الوطني ومنها الجبهة الشعبية بالضرورة عليه ان يكون تفسيرا حيا لهذه المحطات، وعلاقتها بالمحيط العربي والدولي.

ان الواقع الفلسطيني يتغير بناء على نمو طبيعته الخاصة، وتغير العوامل المحيطة به ايضا بالاضافة لكونه جزء منه فمرحلة اوسلو والانتفاضة الثانية قد فصلت مسرح العمل السياسي وقسمت الادوار وفق المصالح السياسية والطبقية لكل طبقة من طبقات المجتمع الفلسطيني، وابرزت على اشد ما يمكن الاجهزة الامنية والمنتفعين من السلطة في جهة وابرزت الفقراء والوطنيين واللاجئين في جهة اخرى، حتى ان التقسيم الواقعي هذا بات واضحا للعيان.
ولقد استفادت منه القوى الاسلامية خاصة ان الدور الريادي لحركه فتح قد تراجع بسبب عدم فصل نفسها عن السلطة، ولان اليسار يطرح نظرة صحيحة من الناحية النظرية ويكون ليس متخلفا عن الوقائع فحسب بل يكون متخلفا ايضا عن رؤيته ونظرته الخاصة للاحداث، وصعوبة الظروف الاقتصادية وتراجع القوى الوطنية دفع المواطن ان يكون ذو توجهات اسلامية بطابع سياسي وليس بطابع ديني.

وكون الجبهة الشعبية من اوائل فصائل العمل الوطني وفصيلا اصيلا في الرؤية والفعل الوطني والتكوين الفكري الانساني، كونه فصيلا يدافع بصلابة عن الحقوق الوطنية وينحاز لمصلحة المعدمين ويطالب بالتغير الاجتماعي وبناء دولة قائمة على العدل والمساواة تحترم فيها المرأة وحقوق الانسان، فان الجبهة الشعبية ليست اختيارا نخبويا بمقدار ما هي استجابة لحاجه وطنية واجتماعية.

منذ بدء مفاوضات اوسلو اعلنت بعض قوى اليسار الفلسطيني ومن ضمنها الجبهة الشعبية عن تخوفها من نتائج هذه المرحلة، التي اعتبرتها نتيجة لاختلال ميزان القوى، وناتج هذا الاختلال لن يأتي في مصلحة الفلسطينيين، مع الأخذ بعين الاعتبار ان الجبهة الشعبية واليسار اعطي اهمية للعنوان السياسي وهو مواجهة التفريط الا ان تعقيدات وتفصيلات الواقع اكبر من مجرد شعار سياسي، فالحياة اليومية لها متطلباتها ايضا، ولم تكن الجبهة الشعبية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وبداية مرحلو اوسلو قادرة على البناء الأيديولوجي والممارسة السياسية من خلال النضال اليومي على المستوى السياسي، وتحول عملها الوطني الى مجموعة ممارسات فردية متباعدة لا يربطها سياق له القدرة على الجمع والتوحيد والتنظيم، ليس على صعيد الافراد وحسب بل على صعيد الجماعات والطبقات والجماهير،
ولم يتمكن اليسار وفي مقدمته الجبهة الشعبية من ممارسة العمل السياسي بثبات وعزم وتصميم ، وان يخلق منه حالة صراع مع القوى الرجعية وقوى الاحتلال بل تراجع في ممارسته اليومية الى مستوى المعالجات المطلبية المباشرة التي يستطيع القيام بها اي مؤسسة اجتماعية او منظمة اهلية، وبهذا كانت الجبهة الشعبية غير قادرة على الاجابات على الاسئلة التي تطرحها تفاعلات الواقع الوطني والديمقراطي من مهام، وان كانت القوى اليسارية قد طرحت شعارات صحيحة من وجهه نظر السياسة على العموم، فلم تستطع هذه الشعارات ان تصبح في التفاصيل ممارسة حية تتكتل حولها الجماهير وتصبح ناظم لها في حركتها، مما يدفعنا للتفكير بضرورة ايجاد تيار وطني ديمقراطي وخلق بدايات نجاح هذا التيار الذي يعمل ويفكر من اجل انجاز المهام الديمقراطية ومهام التحرر الوطني.

وكما جاء في بيان الجبهة الشعبية في ذكرى انطلاقتها 42 عن ضرورة العمل على انجاز تيار وطني ديمقراطي تقدمي في الساحة الفلسطينية، يأتي تعبيرا عن حاجة وطنية واجتماعية تستدعيها ضرورات العمل الوطني اليومي والسياسي الاستراتيجي ، نؤكد في هذه العجالة على صوابية ما ورد في البيان، ونؤكد على حاجة الواقع الموضوعي لقوى اليسار الفاعلة في الساحة ما بين فتح الوطنية بشقيها المنخرط في السلطة وبشقيها الرديف للسلطة بجذوره الوطنية الاصيلة ايضا، وما بين الاسلاميين السياسيين الذين قد نجد موقفهم السياسي لاعتبارات محلية او إقليميه صحيحا، ولكن اليسار يختلف معهم في قراءة الوطن ومفهوم الوطنية ومفهوم القومية والمجتمع والحياة اليومية والديمقراطية، وعلى اليسار المتجدد ان يفصل نفسه ويظهر نفسه بأكبر قدر من الوضوح والتمايز عن التيار الاسلامي السياسي في ذات الوقت الذي يعبر فيه عن احترامه للدين كمكون اساسي من ثقافة كل مجتمع عربي ذو جذور اسلامية.
ان المطالبة بوجود تيار يساري او تجمع ديمقراطي تقدمي، لا يعبر عن رغبه ذاتيه نسوقها، بل حاجة موضوعية يتطلبها من جهة عدم انهاء الصراع العربي الاسرائيلي ومن جهة اخرى ميل المجتمع الفلسطيني نحو الاستقرار واخذ درجة من الخصوصية بحكم وجود السلطة كأمر واقع، الامر الذي يستوجب اخد مصالح الفئات والطبقات والمجموعات وطبيعة اصطفافها بعين الاعتبار، والتعبير عنه من خلال ادوات واحزاب تشكل حماية لهذا المجتمع من عسف الافراد وعسف السلطة، التي ترتكز رغم قشورها الديمقراطية على ارادة الفرد والاجهزة الامنية، اضافة لكونها مقيدة باشتراطات اوسلو ودعم الدول المانحة حليفة اسرائيل، فالمجتمع الفلسطيني بحاجه لان يعبر عنه بغلاف من الانشطة والفعاليات والمؤسسات والاحزاب كي تشكل ضمانة وحماية له من الفساد والديكتاتورية والتفرد والظلامية، على مستوى طريقة الحكم وضمانة لمنع التفريط في قضايا الحل النهائي مثل الحدود والقدس واللاجئين.

ان ولادة تيار يساري جديد يكون امتدادا للجبهة الشعبية وقوى اليسار الفلسطيني، ليس فقط قرارا في الهيئات المركزية لهذه القوى، بل استحقاق ميداني وتاريخي وسياسي، لكنه يواجه بمعوقات موضوعية وذاتية، ومنها اشكالية احلال قيادة جديدة وبنية تنظيمية لتحل محل مكونات اليسار الحالي، خاصة وانه في مرحلة الترهل نشأ منذ اوسلو جيل كامل يحتاج لاعادة تربيه وصقل وتنظيم، وعملية الاحلال لا تكون فقط بالافراد والهيئات بل ايضا باسماء القوى السياسية التي يجب ان تكون تسميتها وشعارها مناسبا لمرحلة ولادة التيار الجديد، فالحفاظ على الاسماء والاشكال التنظيمية التي كانت سببا في تراجع اليسار لن تكون لا القابلة ولا الحامل لأجنة المولود الجديد، ان كل عملية تجديد لاصالة واستيعاب مراحل جديدة والاتساع لهضمها بأقل قدر من اليسر يحتاج الى ولادة خلاقة وجرأة ووضوح رؤية وإرادة صلبة، ففي ظل الحديث عن ازمة تنظيمية لماذا لا يتم التخلص ممن هم اسباب هذه الازمة، وبدلا من وصف الازمة المالية باكثر من شكل وسوقها كعذر اقبح من ذنب لماذا لايتم التخلص ممن يقفون وراء عدم حلها، وبدلا من المطالبه بالديمقراطية في الساحة الفلسطينية لماذا لا يكون انتخابات في داخل الاطر التنظيمية وهدم الاشكال التنظيمية البائدة واستبدالها بأدوات عمل جديدة، وبدلا من المراوحة في الهوية السياسية والفكرية والاصرار على ان تكون العقيدة القديمة التي اصلا لم يتم اكتمال فهمها سابقا واجترارها بنواقص فهمها السابقة، والتشبث بالرؤية الايديولوجية رغم ان العالم واليسار يعيد صياغة نفسه نظريا وسياسيا وتنظيميا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

لا اريد في هذا المقال ان اقترح برنامجا تفصيليا لرؤية سياسية او فكرية او تنظيمية ، بقدر ما اريد التأكيد على ما ورد في بيان الانطلاقه 42 للجبهة الشعبية والتاكيد على نضالية هذا الفصيل واصالته، وان الانطلاقة يجب ان لا تكون مهرجانا وتذكير بل يجب ان تكون انطلاقة حقيقية في الفعل اليومي والوطني والقومي والإنساني، وترسيم ووضع حجر الاساس لولادة التيار اليساري فعلا لا قولا فحسب، والا تحجب الشجرة الغابة وان تكثر الاحاديث في الميكروفونات والخطابات لاناس يتحدثوا كثيرا كي لا يقولوا شيئا ولا نريد ان نسمع جعجعة ولا نرى طحين .ان الاشكال التي استهلكتها المراحل والتاريخ يجب ان تكسر لتتيح للمحتوى الجديد ان يولد فما عادت حاجتنا للتيار اليساري حاجه تراكمية في حدود الموجود، ولو كانت كذلك لتمت منذ زمن الا انها ولادة على الاغلب بديل عن الموجود لهذا يتم اعاقة ولادة هذا التيار اليساري رغم الحاجة الموضوعية والفراغ في الساحة الفلسطينية الذي يبحث عن امتلاء، فلتكن انطلاقة الجبهة الشعبية وغيرها من قوى اليسار اصالة تحتاج الى تجديد لفراغ يبحث عن امتلاء

الأربعاء، 9 ديسمبر 2009

بيان الاتحاد الاوروبي وامكانيات العمل الشعبي الفلسطيني


صدر بيان الاتحاد الاوروبي الذي يؤكد على حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة ويعترف بالقدس الشرقية كأراضي محتلة منذ عام 67، وليس مهما ما يحويه البيان بقدر ما يهم ما يؤكده الشعب الفلسطيني وقيادته على الارض، فكثيرة هي البيانات والقرارات التي تؤكد على شرعية الحقوق الوطنية الفلسطينية.
ومع تفاوت ردود الفعل على البيان ما بين مؤيد ومعارض ومن يرى فيه عناصر ايجابية او خطوة غير كافية، نرى ان اي خطوة اقل من حقوق الشعب الفلسطيني بالكامل غير كافية في حال كان مطلوبا من دول اتحاد الدول الاوروبية ان تكون بديلا عنا في انجاز الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
ان كل ما يدور في الاروقة الدولية والعربية والفلسطينية والمؤسساتية والبرلمانية عالميه كانت او عربية او فلسطينية او اسرائيلية هي بالتأكيد خطوات غير كافية، وكفاية اية خطوه تقدم عليها قيادتنا او العدو او الصديق او الحليف ، لها وثيق الصلة ما يقدمه الشعب من نضال وعطاء وثبات، على اعتبار ان اي انجاز او ما يعتبر انجاز او خطوه الى الامام هو مؤشر على موقف الشعب واستمرار نضاله، وما يقدمه العدو او حلفائه الغربيين من تحرك او تنازل ليس هدايا منهم ولا مكافأة لنا.
ان ما يتم ابرازه من تصريح هنا او بيان هناك هو مؤشر زئبقي على تحرك ومكانة القضية الفلسطينية وعوامل الفعل فيها ومنها، ولا يخفى على احد ان ابرز العوامل بدون شك هو الشعب الفلسطيني الحي، الذي ابقى قضيته حاضرة لكونه حي ومستمر بالنضال بمختلف الوسائل التي تتلاءم مع الاوضاع المحلية والدولية.
ولكي نضع النقاط على الحروف ونعطي الشعب الفلسطيني حقه من التقدير والاستفادة من التغيير في موقف اية جهة كانت عربية او فلسطينية، نشير الى ان القضايا الحيوية بالاضافة لضرورة احترام حرية التعبير وتبادل المواقف يجب ان نتعالى على تسجيل المواقف وتصيد الكلمات وكسب مكاسب فئوية من خلال ابراز الحرص الزائد والذي يكون فيه قدر من الادعاء، كما لا نظهر التهليل والتزمير لكل كلمة تصدر من هنا وهناك وكأن الكلمات سوف تعطينا وطنا.
ان المسار الدبلوماسي وهامشه المحدود وامكانيات الفعل فيه لا تسير لصالحنا وان كان بالإمكان الاستفادة منه كمظلة للشرعية الدولية، لكن المسار الاكثر اهمية هو الوحدة الوطنية والابتعاد عن المناكفات الفصائلية، فوحدة الشعب الفلسطيني تنبع من وحدة قيادته وشعبه، وبدل الالتفات من كلا قطبي السلطة لابراز دور كل منهما كطرف مفاوض امام اسرائيل يجب ان يكون الطرفين موحدين اصلا.
ومع وحدة الفعل الفلسطيني وتوقف المفاوضات التي اوصدت الابواب امام افاقها ، تكون السلطة الرسمية كمن اسقط في يدها وعاجزة عن الرجوع للخلف او التقدم للامام، وهنا تظهر صورة التصريحات الدولية او الاوروبية اكبر من حجمها اذا وضعت في بؤره الفشل السياسي والتفاوضي، لذا يتوجب على القوى الوطنية والاسلامية الفاعلة في الساحة الفلسطينية الا تكتفي بطرح شعارات كل مجموعة في مواجهه الاخرى.
حيث انه ما زال لدينا الشعب وعلينا خوض معركة حقيقية مع الشعب الفلسطيني في عملية استنهاض لطاقاته، فقد جاءت اتفاقيات اوسلو وحيدت الشعب الفلسطيني عن الفعل النشيط والمستقل نسبيا عن دور المفاوض والسلطة لاحقا، لدرجة ان السلطة اصبحت قيدا على فعل الشعب الذي ما زال يرزح تحت الاحتلال، ودولته حبرا على ورق رغم كثره الاتفاقات والتصريحات والمبادرات والقرارات الفلسطينية والعربية والدولية.
وعليه فعلينا رغم محدودية المسار وهامش العملية الدبلوماسية ان نتفق على كون فلسطين ارض محتلة، والا نختلف حول مسميات الشرعي والخارج عن القانون والا نحصر النضال السياسي في واحد من وجوهه وهو التفاوض، او انتظار الرأي العام العالمي ان يشكل ثقلا من اجل ابراز انسانية وعدالة قضيتنا، فنتوحد اولا ومن ثم يكون لدينا قيادة موحدة لفصائل العمل الوطني والإسلامي، ونقوم بعمليه تحرك شعبي واسع النطاق ودائم لابقاء جذوة القضية مشتعلة، وابرازها اليومي عبر انشطة سلمية في هذه المرحلة لتكون رديفا للموقف الدبلوماسي وسلاحا بيد المفاوض والمقاوم للحصول على اكبر نتائج ممكنة، فنتائج اي امر تتم كحصاد لما تم زرعه.
وعلى المفاوض في رام الله او غزة الا يحصر حركة الشعب في رؤيته المنفردة لما يخدم القضية، ولكي لا نترك الامور على الغارب تستطيع قوى القيادة الموحدة للقوى الوطنية والاسلاميه ان تتفق على ظروف العمل للمرحلة المقبلة وإعطائها صبغة جماهيرية واسعة، مع التأكيد على حق الشعب باستخدام كافه الوسائل لنيل حقوقه، فليس مسموحا في حالة انغلاق افق العملية التفاوضية ان تعتبر سلطه رام الله ان اشكال المقاومة باستثناء التفاوض غير مشروعة، و تعتبر حكومة غزه ان هناك توافق وطني على عدم اطلاق الصواريخ، وكل طرف يوجه الشمس نحو قرصه( او يقص الحلاوه على قد اسنانه)
ان اي امر من اي طرف منهما بدون وحده وطنيه امر مشكوك بنزاهته ومصداقيته واحقيته، فلدينا حكومتان وليس لنا دولة ونفكر ان نعرض قضية الدولة للحصول على اعتراف جديد بها وقرار دولي جديد بشرعيتها، والشعب في كل من الضفة وغزة والشتات مغيب، فما كان للسلطة ومفاوضات مدريد ان تأتي دون نضال الشعب الواسع والمتواصل في الانتفاضة الشعبية الاولى.
ولكي نستمر في وضع القضية امام العالم علينا ان نقوم بالمزيد من فضح الاحتلال والاتفاق على الحد الادنى المناسب من الفعل والانشطة الشعبية بشكل منفصل ومستقل عن كلا السلطتين في رام الله وغزة وبموافقتهما، فلدينا الفصائل ولدينا المؤسسات ولدينا كل ما يلزم ليتحرك
الشعب ان اعطي المجال لمسك زمام المبادرة، والمطلوب برنامج انشطة يومية جماهيريه في الشوارع والساحات في حدود الحفاظ على النظام العام تحت عنوان فلسطين للجميع، لا لفصيل واحد فالاحتلال ما زال قائما والنضال ما زال متواصلا.
يجب ان لا نخشى من شعبنا ولا من تحركه والا نسمح لا لغربي او لاسرائيلي حتى مع وجود الاتفاقيات معهم ان يقرر ما هو شرعي للنضال وما هو غير شرعي، وكي لا يفهم ان التحرك الشعبي بديل عن وسائل النضال نؤكد على حق الشعب المحتل ان يستخدم كافه الوسائل، لكن نقترح للمرحلة الحالية التحرك الشعبي الواسع النطاق كما يحصل في مسيره بلعين ونعلين وام سلمونه الاسبوعية، وليس تحت عنوان الجدار فقط وانما تحت عناوين رفض وجود واستمرار الاحتلال.
ولهذا الغرض يتم تشكيل قياده جديدة لديها برنامج ومهمات عمل اسبوعية وشهرية مناطقية وشاملة في كافة المناطق، وتوظيف الفعل الاعلامي بكافة الوسائط المتوفرة لديه في اعادة صياغة الراي العام الشعبي وتوجيهه للنضال، وغسله مما علق فيه من شوائب واوهام فئوية او تطبيعية او تفريطية او مشاعر يأس واحباط، ولكي تكون الحركة أصيلة علينا فصلها عن نوع التظاهرات البروتوكولية في شوارع رام الله وجوامع غزة، واطلاقها في الشوارع والساحات وعدم التذرع بأسباب واشكال الاحتجاج الحضاري وإغلاقها وقصرها على مؤتمرات صحفيه في الفنادق والقاعات. وكما كانت توجد الامكانيات الفنية والتعبوية والدعوية لجلب او اشعال الجمهور بأنشطة فئوية لفصيل ضد آخر نستطيع توظيف الطاقات والطرق والادوات باتجاه آخر، وتشذيبها وصقلها بما يخدم تنقية وعي الشعب مما علق فيه من سوء وننتج وعي شعبي مناضل ومكافح دون الخشية من ولادة قيادات شابة جديدة، تعيد تشكيل رسم الاتحاد العام للنقابات واتحاد الكتاب والصحفيين، واتحادات الطلاب ولجان العمل النسوي وكافه انواع الاتحادات واللجان، بحيث يحتل المكان من هم على رأس الفعل والمرحلة التي تغتسل في معمعان التحرك الشعبي وتزيل الدرنات المتآكلة التي تعيق منذ سنوات حركة المجتمع عن التقدم ، وتكون نتاج هذه الحركة الواسعة والشاملة والدائمة، ودائما المخاضات عسيرة وخوفها من هذه الولادات في ظل انغلاق افق المفاوضات واستمرار الانقسام يجعلها تقوم بعملية اجهاض لكل ما قد يبشر به رحم الشعب الذي تلقح بكثير من الهزائم والكثير من الانتصارات، ولان الشعوب تتعالى على جراحها وتقذف من رحمها الهزائم وتنجب جيلا بعد جيل يستمر حاملا لواء المقاومة مستمرا بالسير نحو وطن يخلو من الظلم والفساد والاحتلال، مشيدا واحة للديمقراطية والحرية وصيانة حقوق الوطن والانسان. ِ

السبت، 5 ديسمبر 2009

سياسه بلا اخلاق واخلاق السياسة-رسالة مفتوحة-

سياسة بلا أخلاق وأخلاق السياسة
الكاتب اسماعيل رمضان
رسالة مفتوحة


ذكر مكيافيللي فيما مضى ان الغاية تبرر الوسيلة او الواسطة، وشرع استخدام الوسائل بغرض تحقيق الغايات، فما هي الغايات؟ وما هي الوسائط؟ توجد الغايات في رحم التاريخ او في رحم المجتمع، وتكون تعبيرا شموليا عن حاجة التاريخ للوصول إلى مرحلة من التقدم والمرور بمحطات جديدة في سلم التقدم الاجتماعي، او تكون تعبيرا عن حاجات فئات او طبقات او شرائح بعينها، والوسائط التي تستخدم قد لا تكون قرارا إراديا إلا بمقدار ما يعكس المرحلة التي يولد فيها، فالادوات المستخدمة لخدمة الغايات تكون متلازمة معها وبينهما انسجام وتوافق تاريخي يعكس في جزء منه الإرادة ودورها ومكانها في التاريخ، وفي الجزء الآخر يعكس الجبرية والقدر كتعبير عن تفاعلات مكونات مجتمع او مجموعة في مرحلة معينة.
وكما ان السياسة في تعريفها هي فن إدارة الصراع او فن الممكن، ايضا تكون تعريفا للادوار ومكانة الادوار، ولكن الادوار ليست شيئا اختياريا بالمطلق فأنت او انا او هم نختار من ضمن المتاح في المرحلة المقصودة، والسياسة كتعبير عن التاريخ تعكس دائما مصالح فئات ومجموعات اكثر من غيرها في حال اختلافها او اتفاقها، واخلاق المجموعات والطبقات في عملية الصراع ونوع الأدوات تكون من حيث التفاصيل الصغيرة مختلفة، والاختلاف فقط يعكس الجو المحلي والتفصيلي لقضية معينة.
ولكن الاخلاق السياسية وقيم المجموعات والتجمعات والشرائح والطبقات من وجهة نظر التاريخ ومن وجهه نظر المصالح، تكون دائما انعكاسا لحركة الغايات التي هي اصلا حالة تاريخية تزاوج بين حركة المجتمع ودور الأفراد فيه حيث هم ايضا وجودهم ومكانتهم ليست اختيارية بان يكونوا من تلك الطبقة او هذا المجتمع او ذاك، فمساحة الحرية المعطاة للافراد تكون محددة سلفا ولا تكون عبثية او عدمية، وقدرة السياسيين على فهم المراحل التي يكونوا ضمنها هو ما يجعلهم يتصرفوا باخلاقيات السياسة كفن الممكن، وفنهم يكمن في معرفتهم لشروط مرحلتهم وفهم تفاصيل تفاعل هذه المرحلة مع بعضها او فهمهم لقضية سياسية مجتمعية والتصرف لا على أساس انهم يصنعونها بل على أساس فهمهم لدرجه التأثير فيها.
كمان ان السياسة دائما لها وجهين: الاول ارادي تقوم به النخبة، وحياتي يعيش فيه الناس وضمنه ويكونوا جزء فاعل فيه، وبذات الوقت يكونوا موضوع للسياسة، وشقي السياسة سواء في بعده الحياتي او بعده الريادي، دائما يحتاج الى قيم وأخلاقيات وايديولوجيات تبرره وتحركه وتروج له، والافكار ايضا يكون لها قدرا من الاستقلال عن السياسة والاقتصاد، الا انها تتوارث وتمتد وتتأخر في جذورها عن حركة الاقتصاد المتسارع والمتقدم على سكة التاريخ، ويكون السياسيين رواد وفي المركبة الأولى من مركبات قطار التقدم.
وان كانت بعض المفاهيم والافكار ومروجي السياسة احيانا يفضلون استخدام برامج عفا عليها الزمن ونظريات بائدة لا تتلاءم مع عملية التقدم العالمي الحاصلة، ويضعون كوابح في محاولة لاعتقال التاريخ او ايقافه عند نقطه تتلاءم ومصالحهم، ويكون هنا دور التفاعل بين السياسيين وقدرتهم على تطوير برامجهم والتعبير بأفضل الطرق عن مصالح من يمثلونهم ويسجلهم التاريخ كأبناء لتلك المرحلة.
ونحن في مرحلتنا العربية او الفلسطينية الراهنة، لا يتسع المجال لطرح كافة التيارات الفكرية والسياسية، ورغم كثرتها نحصرها في اطارين واسعين مطروحين للنقاش والتفصيل ممكن لقراء هذا المقال ونرجو منهم العمل على تطوير الفكرة وانضاجها.
الاطار الاول: الاكثر تسارع في انتشاره ونموه في هذه الفترة هو تيار السلفية بوجهها كإسلام سياسي، فقد تنامي دور الإسلام السياسي بالفترة الأخيرة من القرن السابق وبداية هذا القرن، واصبحت صبغة الكثير من القوى السياسية صبغة إسلامية تتخذ وجها جهاديا احيانا ووجها سلفيا أحيانا أخرى، ولان موضوعنا ليس السلفية وليس الإسلام، اكتفي بتسليط الضوء على أن تسييس الإسلام ومحاولة قراءة الحاضر من خلال الماضي والعيش في ظلام سراديب الماضي منع عنا الضوء لدرجة لم نعد نرى فيها مستقبل، واستدراج انتصارات الماضي وسحبها على الحاضر وكأن الحاضر خالي من الإمكانيات ولا ينجب، وأن المستقبل هو في العودة الى الوراء كون لدينا ايديولوجيا عمياء وفكر قسري اعمى، لم يساعد في وضعنا في مكاننا الصحيح بين الشعوب والأمم، وكأننا لسنا جزء من العالم وما زلنا نعيش انتصارات حطين وانتصارات وقعة احد ونحلم بالفتوحات الإسلامية كما حصل في القسطنطينية، فيخطب احد أئمة الجوامع في غزة مبشرا الجيل القادم بالراحة والانتصار بعد العدوان الإسرائيلي الاخير على غزة قائلا: ان فتح اوروبا كلها سوف يتم في القريب العاجل وينتظرنا مزيد من الانتصارات، وبعد ان يفتح هذا الإمام اوروبا كما القسطنطينية يعلن: اننا سوف نلتفت الى الامريكتين، الامريكيتين فقط تحتاج لفتحها لمجرد التفاتة، وبعد ذلك يرتد وينظر الى أوروبا الشرقية وتسود دولة إسلامية ويرتاح الجيل القادم من الجهاد.
ان ترويج وتبشير الناس بهذا القدر من الأوهام والأحلام التي لا تسندها الوقائع يمثل مظهرا من مظاهر ثقافة الإسلام السياسي، وحديث إمام آخر لاوباما اسلم تسلم ويعتقد انه يتحدث مع كسرى او يتحدث مع المقوقس او قيصر، نحن نعيش في الماضي ولا نقرأ الحاضر ولا نريد مستقبل سوى العودة بالتاريخ الى الوراء، كمان ان الحديث عن عيوب الآخرين من اعداء او نظم رأسمالية وغيره وكأنها انتصار للإسلام السياسي فيها قدر كبير من التضليل وقدر اكبر من التفاهة والسفه، لان عيوب الرأسمالية الاقتصادية او القيمية، او تسليط بعض الضوء على جانب منها لا يعني ان البديل عنها هو ما كان قبل آلاف السنين، ولا نريد الخوض في تفاصيل النظم الاقتصادية وشكل الدولة القديم، لأنه موضوع مستقل بذاته.
ومن الاهمية بمكان عند رؤية المجتمعات الاخرى ان نراها في موقعها من التطور التاريخي، وان نحترم ثقافتها وتفاصيل تكونها ونشوءها، لا ان نحاكم الآخرين من خلال تفسير محدود وضيق للقرآن وتكفير الغير، وتصوير بعض الوسائل الإعلامية ان كل ما يدور في العالم هو موجه ضد الإسلام والمسلمين وتقسيم العالم لمسلمين وغير مسلمين لكفار ومؤمنين، وان الإسلام هو الخطر الحقيقي على الدول الغربية والبديل الوحيد عنها، لذلك تناصبه هذه الدول العداء من وجهه نظر الإسلاميين السياسيين، وكأن هذه الدول تخلو من انجازات وتخلو من قيم وتخلو من تقدم تقني وتقدم حضاري وفكري وإنساني، فأي كان لن يستطيع ان يكون محترما دون احترام الآخر ولن يكون حرا ان لم يدافع عن حرية الآخر، ولن يكون حضاريا ان لم يحترم حضارة الآخرين، ولن يكون إنسانيا ان لم ير نفسه كجزء من الإنسانية وليس خصما معها لاعتبارات أيديولوجية وتفسيرات ظنية تحتمل الخطأ أكثر مما تحتمل الصواب.
ان قوة هذا التيار ونجاحه في بعض الأوقات وتنامي دوره ووجود قوى شعبية داعمة له امر ظاهر للعيان، إلا ان ما لا يظهر خلف الصورة ان التيار السياسي بعد ان يصل الى الصورة ويفقد طاقة الدفع ومحركات الصعود ويستهلك نفسه في فترة قصيرة، سوف نجد على ثقافتنا وعقولنا حجاب ونفصل أنفسنا بجدار وسقف عن العالم وكأننا في قبر لا نرى فيه سوى كوابيس الموتى عند دفنهم.
الاطار الثاني:الواسع والمنتشر اصلا من بداية القرن المنصرم وحتى الآن هو تيارات الوطنية التحريرية، عبر ثورات التحرر الوطني والوطنية الليبرالية والإطار القومي واليساري التقدمي، ورغم الفواصل والفوارق المهمة ما بين مكونات هذا التيار الواسع الا اننا اذا نظرنا اليه من وجهة معارضته لتيار الاسلام السياسي، نرى ان هذا التيار عاش فترة نهوض واسعة منذ منتصف القرن الماضي، واصبح سائدا باختلاف حالته وتفاصيله من موقع عربي الى آخر، وكان اهم انجازاته تحقيق الاستقلال وتحقيق الثقافة الوطنية والقومية والانسانية، وبعد ان تراجع هذا التيار بسبب عجزه عن تحقيق التقدم وعن تحقيق اماني الشعب والكثير من المتغيرات العالمية التي اضعفته اتاح المجال واخلى كثيرا من مساحاته لصالح السلفية والاسلام السياسي، وبدا وكأن الامر احد انجازات التيار الاسلامي وتأكيد لوجهة نظره، علما ان الامر لا يعدو كونه ضعف في توجهات التيار العلماني الوطني بوجهته اليسارية والتقدمية والوطنية، وعجزه عن انتاج قيادات جديدة تناسب المراحل الجديدة، وعجزه عن قراءة المستجدات الوطنية والعالمية بعيون المرحلة، فقسم كبير من القوى القومية والوطنية واليسارية ما زالت تجتر الماضي وتستعيد قياداتها وتلبسها ثوب الحاضر كما يفعل الاسلاميين، فعلينا ان نقر ان عبد الناصر وميشيل عفلق وجورج حبش وابو مدين وفؤاد نصار وياسر عرفات هم تعبير عن مراحل انقضت واصبحت من ورائنا، وكانوا ما كانوا عليه بسبب ايضا اختلاف مرحلتهم عنا، ولسنا بحاجة ان نستعيد صلاح الدين ولا غيره من القيادات والمفكرين، بل نرى المرحلة بعيونها بالذات وننتج قاده ومفكرين وسياسيين جدد بمستوى عبد الناصر وغيره، لا ان نحولهم الى اصنام نعبدها، ونحاول ان نرفع انجازاتهم من مستوى الجزئي الى مستوى المطلق ونتحول الى وثنيين، فاذا كان للإسلاميين مبرر برجوعهم للدين واستخدامه احيانا كغطاء لتحركهم السياسي، فلا عذر للوطنيين باستعادة القادة القوميين والوطنيين والماركسيين ، ويكفينا استمناءا للتاريخ الذي لن ينتج من رحم التاريخ شيء، فالتاريخ يحبل بالمعطيات وينجب القادة فقط بتزاوج شرعي بين المهمات والادوات والوسائط، وعلى الاحزاب ان تعيد بناء صورتها وان تكون حية وجريئة وتغير من برامجها لتكون تعبيرا حقيقيا عن الفهم وعن ضرورات التطور الاجتماعي والسياسي، وبذلك يكون لدينا اكثر من صلاح الدين وابو مدين وعبد الناصر والآخرين، اما سحب انجازاتهم على مراحل لم يكونوا هم جزء منها، والتقلص بأحزاب ومنظمات صغيرة تكيل المديح لنفسها ولا تستخدم كلمة سوف وانما تستخدم كان، برغم ان منظرو الديمقراطية والقومية والماركسية بالأساس يرون ان السياسية تعبير مكثف عن الاقتصاد وتطوير لحركته وان النظرية خلق دائم وتجديد، وتمثيل لكل قديم بايجابياته ونفي للقديم واستيعاب معطيات الراهن وتوظيفها في خدمه المستقبل.
ومن عيوب هذا التيار ليس فقط انه اصبح سلفيا انما لكونه بات يرى المستقبل من خلال المراحل السابقة، ويعقد تحالفات احيانا بسبب القضية المركزية فلسطين، فهل عمليه تحرير الوطن اولوية تعلو كل شيء، وهي البؤرة التي تتركز فيها كافة القيم والتصرفات السياسية والتحالفات، ام ان عالمية المرحلة تستوجب رؤية عملية تحرير الارض مترافقة مع النضال من اجل الديمقراطيات وحقوق الانسان، والانخراط في عمليه التقدم العلمي العالمي والحضاري الانساني، وهل بناء مؤسسات المجتمع المدني يشكل خطرا على تطور عملية التحرير وانه لا مجتمع مدني بدون عملية تحرير الارض.
كل الاجابات جاهزة وينطبق عليها الاحتمالين معا نعم ولا بنفس الوقت، ودرجة صحتها او خطأها تكمن في زاوية النظر اليها، فاذا كنا قدريين او عبثيين نرى الامور بعين واحده ويكون لدينا عمى الوان سياسي، فالاهداف السياسية لا يجب ان تكون على حساب حاضرنا، ولا حاضرنا وتحسن حياتنا اليومية يجب ان يكون على حساب قضايانا الوطنية، واذا امتلك التيار الوطني الديمقراطي القومي واليساري رؤية واضحة لماهية المستقبل، وخلع رداء الماضي وانتج قيادات جديدة فسوف يكون لدينا قوميين وديمقراطيين جدد لا يقل فخرنا بهم عن إسلافهم من عظماء، فما زالت الامة قادرة على الانجاب ورحم التاريخ يبشر بولادات جديدة وان كانت عسيرة، شرط ان لا يجهضها اصحابها لان مصلحتهم ان يتوقف التاريخ عندهم، فالبعض لعجزه عن ان يسجل نفسه بصفحات التاريخ يعمل على ايقافه عند حدود مصالحه ويوصد الباب امام رياح التغيير التي تكون عاصفة احيانا وتقتلع كل ما يكون امامها من ركام قديم.
فاليسار الفلسطيني يحتاج ان يصوغ نفسه من جديد وكذلك الحركات الوطنية الديمقراطية والقوى الوطنية الليبرالية في اصطفاف واحد وشامل ومركزي خلف شعارات الحرية والتقدم والانسانية.
وختاما ندعو كل المهتمين بتطوير ثقافة حقوق الانسان والديمقراطية والتقدم والانسانية ان يكون شريكا في نقاش جاد وموسع حول هذا الموضوع، وصياغته بما يخدم فكرة ايجاد منبر واسع يوحد الادوات والبرامج في وجه الاسلام السياسي ويقدم صوره اكثر دقة لبناء مجتمع انساني ديمقراطي.

الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

توأمة بين زين العابدين بن علي ونتنياهو

تناقلت وسائل الإعلام إصابة زين العابدين بن علي بأنفلونزا الخنازير التي انتقلت إليه من حفيدته، وأحيط وضعه الصحي بالكثير من السرية والكتمان حرصا على الأمن القومي، وحرصا على سلامة الوطن من العابثين والمتشككين بقدرة الزعيم على القيادة ومتابعة شؤون الوطن أثناء مرضه، وترافقت هذه السرية بجهود حثيثة ونشاط واسع لإيجاد علاج سريع وفعال ومناسب لمرض زعيم تونس.
وقد تسرب بعض الأخبار وربما إشاعات عن أخذه جرعه مضادة لأنفلونزا الخنازير صناعة كورية، ولكن ثبت أن المصل الكوري ليس بفعال كما يجب وان كان بنفس الوقت لا يشتمل على أضرار جانبيه، وكان مستشاري الرئيس التونسي يقلقهم أن يكون للمصل آثارا جانبية أكثر من علاج الزعيم، وكان لديهم خشية أن يكون للمصل الكوري تأثيرات على التوجهات السياسية لدوله تونس، وان يصبح موقف الزعيم الذي قد يواجهه ربه بسبب المرض اقرب مما كان عليه في السابق وأكثر سرعة في إعداد احد انسبائه لخلافته.
فالأنظمة العربية دأبت منذ فترة التراجع الوطني والانهزام القيمي تتحول من جمهوريات الى جمهوريات ملكية، وذلك بسبب الآثار الجانبية لنظرية التطور الرأسمالي، ونظرية رأسمالية الدولة الوطنية التي تقودها البرجوازية الوطنية الصغيرة وتحقق وحدة السوق وتبني منجزات ومهام الثورة الوطنية الديمقراطية وتركب قطار التقدم، وتسير به بأقصى سرعة بحيث تصبح فيه بزمن قياسي موازية لدول مثل ألمانيا واليابان التي خرجت مهزومة من الحرب العالمية الثانية، إلا أن الأعراض الجانبية لنظريات التطور والتقدم التي قد لا تتلاءم مع الواقع المحلي ،أدت الى انحراف القطار عن سكته ودخلت القوى الديمقراطية الجمهورية والجماهيرية في تداخل مع تركيبة الدول الملكية التي لطالما ناصبتها العداء ووصفتها بالرجعية. فسوريا فيها توريث ومصر تعد لذلك وتونس وليبيا وربما آخرين مثل اليمن، لدرجة تشعر معها دول مثل قطر والأردن والسعودية أنها أصابت هذه البلدان بعدوى الرجعية وعدوى التوريث، علما أن هذه الدول وخاصة قطر أو الكويت فيها شفافية وديمقراطيه أكثر من الدول التي تنحاز للبرامج القومية والليبرالية أحيانا، وتدعي تمثيل مصالح الشعب والتعبير عنها.
وان كانت هذه الدول تستطيع بإعلامها وشعاراتها المنفوخة تستطيع ادعاء تمثيل السكان والتعبير عن مصالحهم وتحكم البلاد بيد من حديد، فان نظرة لمعدلات النمو فيها بالمقارنة مع الأنظمة الملكية نجد ان التطور والنمو والتعليم في بعض دول الخليج اكبر مما هو لدى الدول التي ما زالت ترعي شعار القومية كذبا وبهتانا، وترفع لواء الحرية وتمارس القمع وتنادي بحريه التعبير وتسجن الصحافيين وتعتقلهم وتضربهم كما في تونس التي جرى فيها منذ فترة وجيزة انتخابات شارك فيها أكثر من تسعين بالمائة من الشعب.
ومنذ فترة قريبة أيضا كان في إسرائيل انتخابات ديمقراطيه لم يشارك فيها تسعين بالمائة من السكان، ولم يفز فيها حزب دون غيره ولم يستطع حزب بمفرده ان يشكل الحكومة لعدم حصوله على ما يكفي من المقاعد اللازمة لتشكيل الحكومة، وفي إسرائيل اغلب الأحيان تتشكل الحكومة كائتلاف يضم العديد من الأحزاب وتكون اقرب ما تكون لحكومة الوحدة الوطنية، وخلال فترة حكم بعض الزعماء العرب التي تزيد عن 30 سنة، كان في إسرائيل ما يقارب هذا العدد من الحكومات المنتخبة.
وقد لا يكون الخلل فقط في الزعيم، وإنما أيضا في نوع المؤسسات الحاكمة في الوطن العربي التي عبر سيطرتها على الإعلام وشؤون الحياة اليومية وأدوات الحكم والقمع تستطيع الفوز بأغلبية أو بالإجماع أو تغير بنود في الدستور في دقائق لتتلاءم مع ضرورات انتخاب فرد بعينه، وعلى سبيل المثال يوجد في تونس 600 ألف شرطي لحفظ النظام وللمشاركة في حروب محتملة، والحرب المحتملة ربما تكون ضد الشعب كما الأمن المركزي المصري في مصر، هذا إضافة للعديد من أفراد الأجهزة الأمنية الأخرى من جيش ومخابرات، فكيف لا يفوز الزعماء العرب بنسب عالية إذا كان لديهم وأقاربهم السيطرة على شركات الاتصال، والشركات الاقتصادية الخدمية الأخرى وأجهزة الإعلام والجيش، ونسوق عرضا أن ميزانية إسرائيل للدفاع هذا العام تزيد عن 15 مليار دولار،وحجم الناتج القومي لإسرائيل اكبر من حجم الناتج القومي للدول العربية مجتمعة، رغم صغر حجمها وإمكانياتها وثرواتها بالمقارنة مع الدول العربية
وما دمنا بصدد الحديث عن أنفلونزا الخنازير وهي وباء وشأن يومي كما السياسة، فبعض الزعماء مصابون بأمراض سياسية مزمنة ويزيد الطين بلة إصابة زين العابدين بن علي بأنفلونزا الخنازير، ووسط هرج ومرج ولغط وحركة مستشارين ومتابعين انشغلت تونس بأمرين الصمت على الموضوع والتكتيم عليه، وفي الظل والخفاء والظلمة بحث متواصل عن مصل أصلي وليس كوري، وبعد أن تناقلت وكالات الأنباء خبر إلغاء النتن ياهو زيارته لألمانيا، شعر مستشاري زين العابدين بالارتياح لا عن عداوة لإسرائيل ولا عداوة للنتن ياهو ولا عن شماتة ليست من شيم العرب، ولكن على أمل ان يحصل التونسيين عبر قنوات سرية على المصل من إسرائيل .
فقسم من العرب لديهم ثقة بإسرائيل غير مفهوم سببها او مصدرها، وان كان هناك إشاعات ان مصدر ثقة بعض زعماء العرب بإسرائيل سببه كونها صنيعة الاستعمار، ولأنهم أيضا صنيعة الاستعمار فلديهم شعور بالأخوة والتوأمة مع إسرائيل(وما بحن على العود الا قشره) وان إسرائيل اقرب منهم للغرب ولأمريكا، والتقرب منها هو تقرب لمن يرغبون بإرضائه، وكأن الأمور لا تنجح بدون إسرائيل كما حصل قبل أسبوعين من زيارة وفد تجاري إسرائيلي الى عمان بشكل غير رسمي، حيث أصبح يعتقد البعض ان نجاح المؤتمر التجاري منوط بإسرائيل وقوة الشعب في عمان المطلة على الخليج العربي وقريبه جغرافيا من إيران لا يتحقق بدون الوفد التجاري الإسرائيلي، فحركة الواردات والصادرات تزداد وربما حرصا من السلطان قابوس على شعبه سمح لهذا الوفد الإسرائيلي بالوصول الى سلطنته والمشاركة بأعمال المؤتمر بدون دعوة رسمية ودون ان يحمل الوفد صفة رسمية وكأنهم عابري سبيل، وقد نسمع بعد فترة ان إسرائيل عالجت الرمل في سلطنة عمان وأصبح من نوعية جيدة.
قد لا يحتاج الحكام العرب لذرائع لتحسين علاقاتهم مع إسرائيل والتوأمة موجودة بدون أنفلونزا الخنازير التي أصابت زين العابدين ونتنياهو، فهم موحدين لأنهم نتاج لنفس الأم والأب ولكن العرب أبناء ضرة وإسرائيل الابنة الجميلة للغرب والاستعمار، والشعب الفلسطيني والشعوب العربية ضحية صمتها وضحيه الاستعمار وما ينشا عنه من احتلال وثقافة وإعلام واقتصاد ، فهل ننتظر الشفاء من حالتنا السياسية كما ننتظر الشفاء لمن هو ليس بزين وليس من العابدين وليس بعلي، ام ننتظر ان يكون المرض والصدفة سلاحنا ضد زعماء إسرائيل ونقول الله اعطى والله اخذ على اعتبار ان ترجمة اسم نتياهو من العبرية للعربية تعني عطالله، والله اعطا والله اخذ فلينتظر الشعب العربي والفلسطيني رحمة رب العالمين.

الاثنين، 30 نوفمبر 2009

صفقة تبادل الأسرى:سياقات مختلفة لنتيجة واحدة

يزيد عدد المعتقلين السياسيين الفلسطينيين في سجون ومعتقلات إسرائيل عن عشرة آلاف أسير، أكلت منهم جدران السجن، وتصارعت مع نفوسهم وعقولهم سنوات الانتظار الطويل، وبين بارقة أمل تظهر وبين إحباط وفشل، يستمر الأسرى الفلسطينيين متمسكين بالثوابت الوطنية دون أن ينكسر لهم جناح او يخبو إيمانهم بقضيتهم العادلة، إلا أن عرض قضيتهم وطريقة تناولها ربما يحتاج إلى إعادة نظر، أو أكثر من ذلك يحتاج إلى نظر، فوجود بعضهم خلف القضبان لأكثر من ثلاثين عاما يشير إلى أن قضيتهم لا تحظي بما يكفي من اهتمام.
مع اقتراب صفقة شاليط من التمام نرى أن قسما من الأسرى الذين سوف تشملهم صفقة التبادل يفصلهم عن الوطن والأهل خطوات او أيام او ساعات قليلة، وهذا مدعاة للفرح والسرور، ولكننا وسط البهجة والفرح والسرور يجب ألا ننسى ان الصفقة تشمل عشر الأسرى فقط، فيما يتبقى تسعة آلاف قيد الأسر إلى ما شاء الله، فالله وحده يعلم كم من وقت وكم من سنين سيبقى من ضحوا وحملوا لواء القضية خلف القضبان.
ان كل مرحلة لها استحقاقاتها وظروفها والصراع متواصل بين مد وجزر وليس كل شيء بيد الطرف الفلسطيني وحده، وان يكن الأمر على هذا النحو فعلينا أيضا ان نسلط الضوء على موضوع الأسرى وطرق تناوله، وان نساعد في فهمه وفي العمل على أن يكون في المكان الذي يستحقه على المستوى الشعبي والرسمي المحلي والعالمي القانوني والنضالي، فقضية الأسرى قضية لها وجوه عديدة وتقرأ من زوايا مختلفة، وجدير بنا أن نرى فيها قضية نضالية قبل كل شيء، ليس نضالية بان نرى أن الأسرى مناضلين من اجل الحرية بل واجبنا أن نناضل من اجل نيل حريتهم.
حيث انعقد المؤتمر الدولي لنصرة الأسري قبل أيام في مدينة أريحا، من اجل تدويل قضية الأسرى وتحويلها لقضية دولية، مثل تدويل القضية الفلسطينية وتحويلها لقضية دولية وإنسانية، وكان المطلوب من العالم أن يحرر الفلسطيني ويعطيهم وطن من خلال مقررات الشرعية الدولية ، وهي بالطبع قرارات تفيد ولكنها غير كافية، فحصولنا على قرارات دولية بخصوص الأسرى واعتبارهم أسرى حرب سيكون قرارا ايجابيا جدا، ولكن إبقاء وضع الأسرى في دائرة الضوء الإعلامي والقرارات المشرقة دوليا لن تضيء زنزانة سجين، ولن تقربه يوما آخر من أهله، فقط تبقى أملا بان قضيته مازالت حاضرة حتى الآن في ذهن الوزارة- وزارة شؤون الأسرى التي عقدت مؤتمر أو مهرجان أريحا، الذي شارك فيه العديد من شخصيات المجلس التشريعي والفصائل وبعض النخب وقليل من الأسرى وأهاليهم، حيث أكد الكل واجمع المشاركين على ان قضية الأسرى هي في ضمير الشعب والسلطة، التي لن تتأخر في العمل على إطلاق سراحهم خاصة وان اوباما طلب من نتنياهو الإفراج عن ألف أسير لمصلحة ابو مازن، إلا ان ثبات ابو مازن على موقفه من عدم الدخول في المفاوضات منع تحريرهم.
من المؤكد أننا غير مطالبون بدفع ثمن تفاوضي لإطلاق سراح الأسرى، فلا احد يريد أن يقدم تنازلات وطنية لتحرير الأسرى، وان يكون ثمن حريتهم هو ما ضحوا وناضلوا من اجله بالأساس، وعندما جاءت اوسلو تخيلنا ان السجون سوف تصبح فارغة والقدس تكون عاصمة واللاجئين يعودون وتقام الدولة في حدود عام 67، كل ذلك لم يحصل القدس عاصمة موحدة لإسرائيل واللاجئين لم يعودوا، وأراضي 67 تقضم تدريجيا بالمستوطنات ومصادرة الأراضي والطرق الالتفافية والجدار.
ويتزايد عدد الأسرى والاعتقالات الإسرائيلية متواصلة يوميا في مناطق السلطة الوطنية، رغم شجب مؤتمر الأسرى الدولي في اريحا لذلك ومطالبته بان يكونوا أسرى حرب، ومراجعة المؤسسات الدولية والقانونية لأجل ذلك وتسليط الضوء على قضية الأسرى، وربما ان كان الضوء شديدا واتى مباشرة في عيون الأسرى التي لم تعهد سوى ظلام الزنازين من فترة طويلة ان لا يروا الحرية إلا بصورة لا تخلو من غباش ، صورة ينقصها الوضوح واكتمال الرؤية، خاصة وان الوطن وطنين وبدل الحكومة حكومتين، ويجري في نفس فترة انعقاد المؤتمر مفاوضات شاقة وصعبه يشارك فيها أطراف فلسطينية وعربية ودوليه للإفراج عن الجندي شاليط الذي اسر بعملية قتالية شاركت فيها فصائل فلسطينية وحماس، التي تفاوض من اجل إطلاق سراح ألف أسير فلسطيني، مفاوضات شاقة مستمرة من سنوات سوف يكون من ضمنها قادة وأطفال ونساء وأسرى محكومين أحكام طويلة.
وماذا بعد؟؟ ماذا بخصوص عشرة آلاف أسير آخر، هل نختار وسيلة ما اعنت عنه جمعية أسرى في غزه عن جائزة بمليون دينار لمن يأسر جندي، وأين الفصائل التي الأسرى جنود في صفوفها وناضلوا باسمها، أين منظمة التحرير المثل الشرعي والوحيد، وأين السلطة التي تقيم علاقات دولية وعربية وتفاوض باسم الشعب من قضيتهم، أم أن قضية الأسرى تنحسر من طرف السلطة باستحقاق مالي يتم كهبة وليس راتب، ويكون في أسفل الترتيب المالي لرواتب السلطة الوطنية.
او هل علينا قبل كل شيء استعادة وحدة الوطن ووحدة القيادة ووحدة الاداء والقرار، والاتفاق على سبل حل ومواجهه قضية الأسرى في مجال الإعلام والسياسة والمال وفي المجال الميداني، وان تتحمل السلطة مسؤولياتها ويكون لها هي وحماس موقف حاسم تجاه قضية الأسرى، وان نجد روابط بين الأرض والإنسان، والا نتنازل عن أي منهم وان تكون ليس شرطا تفاوضيا وإنما استحقاق، فالزمن يمر على الأسرى ومن اعتقل مع تباشير عمليه السلام (مفاوضات مدريد) أصبح له الآن أكثر من 18 سنه بالسجن.
فهل ينتظر البعض ما تبقى من عمره يقضيها خلف القضبان، والأرض التي ناضل من اجلها تتقلص، حقيقة أن الكثير من الأسرى كانوا مشاريع شهادة، وما كان لهم ان يندموا على حياتهم لو انجزت عملية التحرير او تحقق شيئا لشعبهم او وطنهم،
ويجدر القول انه بمجرد تخلي القيادة الفلسطينية عن اللاءات الثلاث رفض الصلح والتفاوض والاعتراف كان الاولى ان يكون حينها الاسرى جميعا خارج السجون، ما قيمة السلام وأي سلام نتحدث عنه ما دام من ناضل من اجله ما زال بالسجن، هل هو سلام الشعب بأكمله ما دامت السلطة تمثله او سلام القلة التي ربما لم تدخل السجن يوما وتفاوض من فنادق ومنابر وفضائيات.
هل على الأسرى ان يستمر اعتقالهم واحتجازهم رهينة لمفاوضات قد تستمر سنوات ولربما أجيال ما دمنا رفعنا شعار الحياة مفاوضات، قد يكون التفاوض جزء مهم من عمليه إنهاء اعتقال الأرض والإنسان، لكن يجدر بنا الثبات على محددات دقيقة وشروط واضحة ولا نتقدم باتجاه المفاوضات إلا إذا تحققت هذه الشروط ومن ضمنها قضيه الأسرى، وأول شرط لقبول فكرة التنسيق الأمني هو المطالبة بالإفراج عن الأسرى، فما قيمة وجود وزارات وأجهزة أمنية تحافظ على عدم الاشتباك مع الإسرائيليين وتقوم بالحفاظ على الأمن والنظام معتبرة من يتصرف عكس ذلك خارج عن القانون، كما تعمل حماس نفس الشيء في قطاع غزة من اجل ضبط التحرك الميداني والسياسي بيد واحدة. قد نتفهم ونفهم كل من موقف السلطة وحماس في اعتبار أن كل منهما تمثل سلطة، ولكن نطلب من السلطة وحماس أيضا أن يتفهموا ان لنا حق بان يفرج عن أسرانا بدون تأخير، ولسنا من يحدد الوسائل والسبل، إنما حماس والسلطة والفصائل سواء اخترنا طريق النضال أو طريق المفاوضات يجب الا يتأخر الأسرى وقتا إضافيا داخل المعتقلات، فبالقدر الذي سيفرح أسرى وعائلات وشعب بأكمله في حال إتمام صفقة شاليط سيكون بجانبها مزيد من الحزن والألم والإحباط لدي من تبقى الى اجل غير مسمى في المعتقلات فهل من مقاتل مجيب او مفاوض مصغي؟