السبت، 14 نوفمبر 2009

مواطن يدفع الأجرة مرتين


كان سائق التاكسي العمومي يدندن بأكثر من أغنية ويحرك موجات الراديو على أكثر من محطة، وكل شيء فيه يعمل بنشاط يسمع ويغني وعينيه تلتقط الركاب وحركه المرور، وقلبه ومشاعره على جيوب الركاب.
ومن حين لآخر يسأل من منكم لم يدفع الأجرة،ويستمر بالسياقة وترديد الأغاني وشتم السائقين الآخرين.
وتظهر بين الفينة على وجهه تكشيرة، وأحيانا ابتسامة وربما أمنية أن ينزل بعض الركاب ليصعد آخرين غيرهم، ويتجاوز بسرعة سيارة أخرى، ويلتقط على حد تعبيره شيكل عن الطريق أي مواطن آخر.
ويستمر بالسير والالتفات إلى اليمين والى اليسار ويقول من منكم لم يدفع
وعلى طول الخط الطويل من لحظه الانطلاق تبدل الركاب لأكثر من مرة، وعندما كانت تخلو السيارة من الركاب يبدأ بالتذمر لان السلطة تعطي تراخيص إضافية لشراء سيارات إضافية تعمل عمومي ويقول هيا السلطة شو هامها غير الضريبة ورسوم البيرمنت بين قوسين، ويقول عدد السيارات أصبح أكثر من عدد الركاب، فيقترح عليه احد الركاب أن يستوردوا ركاب من الصين ليتناسب عدد السيارات مع عدد الركاب.
ويستمر السائق بتقليب موجات الراديو ويفتي بالأغاني الجميلة والأغاني غير الجميلة ويطلق لسانه كما يطلق عجلات السيارة وينظر شزرا إلى بعض الركاب الذي طال بقائهم ولم يتم استبدالهم براكب جديد، ويسأل أنت مطول يا اخوي أنت لوين واصل؟
ويركب وسط هذا التمازج رجل مسن هده التعب وأشقاه طول اليوم بحثا عن لقمه العيش، ويمتلئ وجهه بالغضون وملابسه بغبار الورشات ويوم العمل المضني، وعرقه قد بلل ملابسه.
يرتمي ساهم الطرف على الكرسي يريح بدنه المكدود ويكون كمن لا يرى أمامه ففكره سارح، فجسمه على المقعد ومشاعره وأفكاره لم تركب السيارة معنا بعد، يدفع أجرته بمجرد صعوده، وينجو بنفسه عن السائق والشارع والسيارات والضجيج، ويستمر السائق بشتم سائق آخر أبو اللي أعطاك رخصة، ويردد أغاني من محطة لمحطة، وينظر بالمرآة مين منكم لم يدفع؟؟ ولا يهتز لأحد من الركاب جفن، ولكن تعود بعض اليقظة إلى الرجل المسن المتعب ويحس كان هناك من يوجه له الاتهام، وينظر حوله كمن يطلب شهادة الآخرين بأنه قد دفع، يعلو صوت السائق مجددا لا تخليني أحرجك اللي ما دفع يدفع،ولا حياه لمن تنادي.
ولكن الرجل المسن يتفصد وجهه بالعرق وتبتل أطرافه ويصفر وجهه وينظر حوله متسائلا طالبا النجدة ويقول بصوت أجش مخنوق العبرات
والله العظيم دفعت وكأنه يكاد يبكي ويده تمتد إلى السائق بالا جرة مره أخرى.
يضحك السائق بطريقه فيها قدر من جنون الشارع وقدر من استهتاره ويقول أنا ما بقصدك يا عم أنا عارف انك دفعت أول ما ركبت السيارة،
يبرد العرق على وجهه المواطن المسن وترتد بعض الحمرة إلى وجهه ويعيد إلى جيبه النقود بيد مرتجفة لأنه نال البراءة من اتهام اعتقد انه موجهه إليه، ولكن السائق يصر ويقول بعد أن ركن السيارة على جانب الطريق اللي ما دفع الأجرة يدفع أنت يا أخ ليه ما تدفع، الأخ يحكي أنا رح ادفع
كنت أظنني دفعت، جل من لا يسهو أنا كل يوم بركب سيارات عمومي وكل يوم بدفع، وربما اختلطت مع زحمه السير براسي الأيام وافتكرت امبارح اليوم واليوم غدا لان كل الأيام بتشبه بعض، وهي أجرتك وفوقها بوسة بس لا تكثر حكي وكمل طريقك لاننا تأخرنا عن الوصول، فرد السائق انا رح أكمل مشوار ومادمت أنت اعتقدت انك دفعت الأجرة امبارح عن اليوم، إنا بعتقد انك امبارح وصلت بدل اليوم، مستغرب بالناس تستبدل الماضي بالحاضر وتنسى حاضرها ومستقبلها، ومن حرص الختيار على الماضي حابب يكون الماضي مكرر مرتين وكأننا بلا حاضر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق