الخميس، 19 نوفمبر 2009

أزمة مفاوضات أم أزمة قضية وطنية

يكثر الحديث بالايام الأخيرة عن إعلان الدولة من طرف واحد، أو عرض مشروع إعلان الدولة والاعتراف بحدودها أمام مجلس الأمن، وسط رفض وتهديد إسرائيلي مدعوم أمريكيا برفض الفكرة من أساسها، وعدم ترحيب من دول الاتحاد الأوربي بذلك.
لا نريد في هذا المقال تناول الموضوع من الجانب الدبلوماسي وإنما نريد أن نتناول جوهره من الناحية السياسة، على اعتبار أن إقامة وطن للفلسطينيين وحقهم في الدولة وتقرير مصيرهم يعتبر جوهر القضيه الفلسطينيه وهو قضية صراعية وليس قضيه دبلوماسية.
ولتوضيح ذلك نكتب الأفكار التالية لاستشراف الموضوع وتحديد جوانبه المختلفة
إن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي في اساسه هو إقامة الدولة، وكانت التعبيرات المختلفة من قرارات دولية ومن محطات تفاوضية أمور تتم من اجل هذا السياق، للوصول بالنهاية إلى موضوع ليس إعلان الدولة أو إعلان وثيقة الاستقلال أو استصدار قرارات جديدة تؤكد على الحق الفلسطيني سواء من مجلس الامن او من الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو غيرها من المحافل الدولية أو العربية أو الفلسطينية،
وان كانت فكرة الدولة تأتي كتتويج لحركة المقاومة الفلسطينية والثورة الفلسطينية على امتداد الصراع وانجازا من منجزات الكفاح الشعبي والرسمي.
ولكن حقيقة الأمر وجوهره أن الأمور لم تكن تتويجا لنضال ولا انتزاعا تم في مرحلة حاسمة من مراحل الصراع، إن الذي تم من مرحلة مدريد وما أعقبها من أوسلو وكافه المحطات التفاوضية أن المفاوض الفلسطيني قد اختار المفاوضات كبديل او وسيلة وحيدة للوصول إلى الحقوق، وذلك كجزء من قراءة التوازن الدولي ومرحلة العولمة، وان كان هناك عجز في ميزان القوى لصالح الاعداء مما يؤدي ان تكون القراءة السياسية والنتائج على الارض تتناسب مع ميزان القوى الحاصل، وما حصل عليه المفاوض الفلسطيني أنه استبدل القضية الفلسطينية بمصالح نخبة من المسئولين، فما نتج عن المرحلية وتجزئة القضية الفلسطينية لمحطات مؤقتة ودائمة أوجد هياكل مفرغة من محتواها الوطني، تقوم بدور مكمل وظيفي للاحتلال في اداره الشؤون المحلية للفلسطينيين دون الحصول على حق تقرير المصير وحتى اقل من حكم ذاتي، وهذا يعتبر الانتهازية السياسية بعينها، فما هي الانتهازية السياسية إن لم تكن التضحية بالأهداف النهائية للحركة مقابل مطالب يومية وآنية ومؤقتة.
كما وأن تضخم المؤسسة الوظيفية التي تقتات على ما يقدم لها من الدول المانحة وما تسمح به لها اسرائيل منعها من إمكانية الرجوع للوراء، وأسقط خيار المقاومة وأزيل عن إسرائيل صفة الدولة المحتلة، وعن الشعب الفلسطيني صفه الشعب المقاوم والمحتل، وأصبحت مقاومته غير مشروعة من وجهه النظر العامة والاسرائلية، وأيضا من وجهه نظر السلطة الفلسطينية حيث اعتبرت بشكل أو آخر ممثل للشعب وسوف تحصل على حقوقها من خلال المفاوضات.
وما عادت قادرة أن تتصرف مع الاسرائليين كدولة محتلة، فلدينا إعلان استقلال ولدينا ادراة لحركة المرور والتعليم والصحة، وبعض الأمور الشبيهة إضافة للتنسيق الأمني، فالجهة التي حققت اتفاقيات أوسلو وما أعقبها من محطات باتت وفق القضم الإسرائيلي المتواصل لبقية أراضي الضفة الغربية، وتعنتها في إعطاء الفلسطينيين دولة كاملة السيادة، فالسلطة غير قادرة على السير للأمام ولا تستطيع تحقيق انجازات، وفي نفس الوقت فاقدة للخيارات الأخرى حتى لو صرح صائب عريقات انه يمكن الرجوع لخيار النضال.
إن خيار النضال أصلا قائم موضوعيا ولم يتم اسقاطه فهو خيار موضوعي يستدعيه الواقع الموضوعي، وهو يأتي نتيجة الاستمرار الفعلي لوجود الاحتلال وليس قرار او شيء نخرجه من جارور ونلوح به، وكأننا سوف نضيف الى الوزرات وزارة جديدة بدون ميزانية كبقية الوزارات ونطلق عليها وزارة الدفاع ونسلمها للشعب بانتظار ان تحقق هذه الوزارة لبقية الوزارات الاستقلال والحصول على الدولة.
ليس النضال أمرا منوطا بشروط المفاوضات ولا خيارا خاضعا للتفاوض، فهو خيار شعبي وطني قائم ودائم ما دام الاستقلال مجزوء، والاحتلال جاثم والثورة الوطنية لم تنجز مهماتها بعد.
ولترسيم الخيارات المتاحة نستطيع القول أن السلطة الفلسطينية ليس أمامها سوى خيار وحيد وهو الاستمرار في التعامل مع الاحتلال والرباعية وأمريكا والدول الغربية من اجل تحسين وضعها المطلبي المعاشي فهي طفيلي مرتبط بالدول المانحة ومساحة حركته تحددها الاتفاقيات الموقعة، ويكون واهما من يتخيل او يتوقع ان يكون لدى السلطة مقومات البقاء او الاستمرار في ظل خيار ان تحل نفسها وتسلم القياده للشعب، فليس مسموحا لها ولا تكوينها ولا بنيتها الوظيفيه في وضع يتيح لها أن تتصرف كمقاومة.
والحديث عن خيار المقاومة صحيح وحقيقي، ولكن بدون السلطة وليس معها
فالسلطة عبر تمثيلها الرسمي وتحدثها باسم الشعب الفلسطيني أفرغت المقاومة من محتواها، وسحبت البساط من تحت الشعب وان سمحت له في بعض الأحيان التصارع مع الاحتلال وذلك لأهداف مطلبية من اجل تحسين شروط التفاوض، وليس من اجل تحسين شروط الصراع الجوهرية، وفرض أمر واقع على الاحتلال يكون فيه ثمن بقائه كمحتل أعلى من ثمن الفائدة، وما يحصل الآن هو أن السلطة تقوم بما كان يتوجب على الاحتلال ان يقوم به أملا منها أن تحصل على دولة،وربما تكون الخيارات المطروحة ليس أمام السلطة إنما أمام الفصائل أن تعود إلى قواعدها، وتعيد انتخاب قياداتها وان تتشكل بطريقة كفاحية في مواجهة الاحتلال، وان تستعيد بناء منظمة التحرير الفلسطينية، على أن تشمل كافة القوى الفلسطينية وان تعتبر السلطة شرعية أو غير شرعية بمقدار ما يقرره الشعب والفصائل، وليس بما تمثله السلطة من أداة وظيفية تقوم بغطاء على الاحتلال بقصد او بدون،
وإعادة الفاعلية التدريجية للفصائل ولمنظمه التحرير ربما يكون هو الحل الاقرب للمنطق والوقائع، فالفصائل ما زالت وطنية وما زالت قادرة أن تولد من رحم الشعب قوى كفاحية، وهذه القوى الكفاحية تقيد حركة السلطة وتقرر حدود حركتها وليس العكس.
وتكون مهمة السلطة محصورة في الحديث بالأمور المطلبية والحياتية، لأنها محدودة فقط في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين ان فصائل الفعل الوطني والشعب الفلسطيني متواجد في أماكن بعيدة وقريبة مثل الدول المجاورة ودول المهجر.
كما أن البنية الاقتصادية للسلطة الفلسطينية وشروط وجودها السياسية لا تسمح لها ان تكون مستقلة، وأي قرار بان تحل نفسها سوف يجفف وجودها ويعطي مشروعية للاحتلال أن يفرض نفسه بشكل مباشر، مع احتمال ان تتراجع المنجزات الدبلوماسية الشكلية إلى الوراء.
فالأزمة الحقيقية هي أزمة في القضية الفلسطينية التي انتقلت قيادتها او بعض منها لدور السلطة دون تحقيق أهداف المقاومة، واستبدلت الوطن الموحد المستقل وتقرير المصير بدور وظيفي من تعليم وصحة وأمن بدل الدولة القابلة للاستمرار والحياة، دون التطرق لاساسيات وجوهر القضية الفلسطينية من قدس وحق عودة وحدود بينها تواصل جغرافي، حيث أننا نحتاج لدولة قادرة على أن تكون وطنية وتنجز مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي وليس دولة إجراءات أمور مطلبية، فكل ثورة وكل مقاومة في جوهرها هي ليس رفض للوجود العسكري بشكله المباشر فقط، وإنما هي أيضا مقاومة لكافة أشكال مصادرة الحرية والإفساد والفساد والرشوة وسحق حقوق الإنسان، فنحن بحاجة لدولة لا تعطينا فقط أراضي وحدود، وإنما وطن مستقل يكون لنا فيه كرامة وقدره على التطور والنمو والمساهمة في دفع عجلة التقدم الإنساني إلى الأمام، وليس جغرافية مقطعة الأوصال وتاريخ يكتب بما يتلاءم مع الصهيوني، فحريتنا تأتي من خلال استعادتنا لهويتنا الوطنية والقومية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها ومن المستبعد أن يتم ذلك بقرار من مجلس الأمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق