الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

القضية الفلسطينية:علاج متأخر لأزمة دائمة

تأزمت تجربة المفاوضات مع اسرائيل بشكل متفاقم يهدد طريقة فهم ما يتوجب فعله وما يجب عرضه وطرحه وعمله من برامج بالخطر.
فالمفاوضات لم تسر أية خطوة إلى الأمام والجانب الفلسطيني يراوح مكانه، وإسرائيل تستمر بتمددها الاستيطاني السرطاني دون رادع وخلو ايدي السلطه الفلسطينيه من أي شيء تستطيع عمله سوى التلويح بعرض القضيه الفلسطينيه مجددا على مجلس الأمن الذي سأم الشعب الفلسطيني من انحياز أعضائه الدائمين لإسرائيل.
إضافة إلى كون العالم في ظل العولمة يكيل بمكيالين، وضياع أمال تحقيق الدولة ذات السيادة والحدود الدائمة والقابلة للحياة وسط العديد من الاجندات ومشاريع الاقتراح والرؤى السياسية المقترحة من الاتحاد الاوروبي او الفلسطينين او الرباعية أومن منظمه المؤتمر الإسلامي.
إن تحويل القضية الفلسطينية لموضوع في الأروقة الدولية، وحصرها في مجال الصيغ القانونية وصيغ حقوق الانسان على اهميتها ليس كافيا وحده لإيجاد دولة أو دويلة فلسطينية، فالصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي تجاوز الستين عاما ما زال فيه ميزان القوى يميل لمصلحة الغرب وحليفته إسرائيل، ولكي نستيقظ بعض الشيء من حلم الدولة القادمة من الأروقة الدولية ومن عدالة القضية، علينا أن نقترح بعض العلاجات لربما تساعد في فهم الوضع الراهن من جهة، وتعيد صياغته بما يتناسب مع الوقائع من جهة أخرى، لكي نرى المستقبل بقدر من الوضوح وفي حدود قراءة الوقائع الموضوعية، وليس وفق ما نرسمه من خيالات واوهام واحلام ذاتية.
فقبل كل شيء يجدر التأكيد على حقيقة لم يعد ذكرها يضيف شيء، وان كان البعض يتجاهلها ويتصرف في سلوكه السياسي دون اخذها بعين الاعتبار ألا وهي أن إسرائيل كانت وما زالت منتوجا استعماريا، وامتداد للامبريالية العالمية والقوى الغربية المهيمنة والتي لها اطماع في المنطقة العربية، وأن الدعم الأوروبي والأمريكي لإسرائيل ليس ردة فعل على ما يسمى بالمحرقة، وإنما هو علاقة إستراتيجية بين الدولة المصنوعة وصانعها وأي حوار مع دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحده هو حوار مع عدو لا يتصف بالحيادية، وإنما بالانحياز والكيل بمكيالين وهو امر بات مفهوما ولا يجوز ان يقفز من ذهن المفاوض الفلسطيني في أي وقت من الأوقات.
الأمر الآخر هو خروج السلطة الفلسطينية من أزمة المفاوضات، ولن يتم ذلك من خلال التراجع عن فكرة التفاوض نفسها، وحتى لو أرادت ذلك فلن تستطيع لان أيديها مكبلة ومغلولة في طبيعتها الوظيفية كونها أداة تستمد قوتها من الدول الأوروبية وأمريكا وبعض حلفائها العرب، وإنما عليها أن تخرج من أزمة التفاوض بان تتصرف باعتبارها سلطة تمارس شانا ذاتيا اداريا يمس سكان الضفة الغربية المقطعة الأوصال بإذن إسرائيلي، وان تعيد للفصائل صفتها الوطنية ودورها المستقل والمرادف لوجود السلطة بعيدا عن ادعاء التمثيل للشعب الفلسطيني.
يترافق ذلك مع استكمال مشاريع التوحيد بين شطري الوطن باي ثمن كان، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وتطبيق القرارات المتعلقة بإجراء انتخابات في شطري الوطن ودول الطوق والمهجر وفي كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، واعتبار منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وإبراز دورها على حساب السلطة التي لن ينتج عنها دولة بالمضامين التي رفعتها حركه التحرر الوطني الفلسطيني، لكونها بهيكلها وبنيتها وطبيعتها الوظيفية مصبوغة بطريقه تفتقد للاستقلالية الوطنية، وجاءت بظروف استطاع الاعداء ترك بصمتهم على بنيتها وتركيبها.
مع أهمية الفصل بين المكون الرئيسي للسلطة وهو حركه فتح وبين السلطة، وإيجاد مساحة بينهما وإعادة الاعتبار لحركة فتح كرائدة للنضال الوطني وقائدة له بعيدا عن السلطة ودورها الحياتي والمطلبي واليومي، فالسلطة بوضعها الحالي ربما تفرج عن اسير وتحصل بعض الضرائب، وتطالب بإزالة حاجز أو عقد مؤتمر، وكلها أمور إجرائية لا تتم بدون موافقة إسرائيل، وبالتالي يجب ان لا نوهم النفس بان سلطة كهذه بظروفها الحالية قادرة على الحصول على دولة رغم عطف الدول الغربية التي لا تبخل بالمنح والدعم المالي، الذي في جوهره مال لدعم ربيبتهم إسرائيل لأنه مشروط بان يكون للسلطة سلوك أمني وسياسي محدد لا يتعارض مع امن اسرائيل وحمايتها.
أما اليسار الفلسطيني فمطالب أكثر من أي وقت مضى بأن يقوم بعقد مؤتمراته، وإعادة تكوين نفسه بطريقة ديمقراطية وان يستعيد دوره التوفيقي والفاعل بين القطبين الرئيسين الاسلامي والوطني، وان يكون قادرا على اعاده التوازن الى القرار الوطني ويضمن وحدة الصف الفلسطيني بعيدا عن التشقق والانشقاق، وإعادة الروح المقاومة لفصائل الفعل الوطني والترويج لثقافة النضال بكافة أشكاله خاصة بعد أن تم مصادره هذا الوعي او تلويثه وتسميمه بعد اوهام اوسلو وإقامة بعض هياكل السلطة والتصرف كان السلطة قادرة بطريق المفاوضات الحصول على وطن حر للفلسطينيين.
يجب إزالة الغث من السمين وزياده الوعي والتحريض والتخلص من إشكالية أن السلطة مقاومة أو بديل عنها وقتما تشاء، أو أنها سلطة في مواجهة المقاومة متى تشاء وأنها الطرف الوحيد الذي يستطيع ان يرى اين هي مصالح الشعب الفلسطيني، وبتفسير بسيط نستطيع القول انه رغم الرواتب المرتفعة والوظائف العديدة والمتضخمة التي لدي السلطة، فهذا لا يعطيها الحق بان تستمر بالادعاء انها قادرة عن طريق المفاوضات ان تحصل على الاستقلال، خاصة وان مصدر هذه الرواتب بمعظمه من الدول المانحة التي نعرف انها دول لها مصالح سياسية ولا تقدم شيء مجانا لدرجة قد يرى البعض أننا مجرد موظفين للغير في وطننا.
وثمة ضرورة لمنظمة التحرير الموحدة والمحدثة والمعاد انتخابها ان تكون مستقلة ماليا بشكل أساسي عن السلطة، كما على كل فصيل منفردا أن يكون مستقلا من الناحيه المالية عن السلطة وخاصة حركه فتح، لتكون قواها وقواعدها وقادتها الوطنين غير المنخرطين في السلطة قوى فاعلة ورائدة في قياده التحرر الوطني، وانجاز مهماته حتى لو تعارضت بشكل عميق مع السلطة التي في ظل استعاده منظمه التحرير لدورها قد تتكشف صورتها، وتصبح لا تعدو كونها مشروع إدارة محلية يجب تجاوزها، وفرض حلول اكثر وطنية تنبع من الشعب كأداة خلاقة قادرة على الإبداع والعطاء المتواصلين ما دام من يعبر عنها ما زال في مواقع الفعل الوطني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق